الدروس المستفادة من قصة أصحاب الأيكة
تقدم لنا قصة أصحاب الأيكة مجموعة من الدروس القيمة التي يمكن استنباطها من أحداثها، ومن أبرز هذه الدروس:
- إن الشرك بالله يُعد ظلماً عظيماً.
- يعتبر الشرك سبباً رئيسياً لغياب عنصر الرقابة في تعديل السلوك الإنساني؛ لذلك يجب أن يُدرك الإنسان أنه مراقب في أفعاله، وأن هذه الأفعال تلعب دوراً مهماً في سعادته في الدنيا والآخرة، وهو محاسب عليها.
- إن إغفال دور العبادة في الحياة سلوك غير صحيح، ويجب أن تتضمن الصلاة دوراً محورياً في تعديل سلوك الإنسان، خاصةً فيما يتعلق بالمعايير المتعارف عليها والتي تقرها الشريعة.
- سلطة الله هي الغالبة على البشر، والاستقواء على الضعفاء يؤدي إلى عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
- يجب أن يكون الاحتكام إلى الحق والعدل هو المعيار الرئيسي لضبط الحياة، وليس الاعتماد على الأغلبية أو القوة المادية للسيطرة على الناس أو انتهاك حقوقهم، لتفادي عذاب الله في الدارين.
- قد تكون الآراء السائدة من قبل الأغلبية الجاهلة خاطئة، في حين أن الرأي العقلاني والرشيد هو الذي يصحح المسار.
- يجب الاحتكام إلى المناهج العقلية وفهم مكونات الوجود، سواء العنصر المشهود أو الغيبي، واستخلاص العلاقات بين أفعال الإنسان وسلوكياته، والتعرف على السنن الاجتماعية التي تحكم سير الأفراد والتي تتسبب في سعادته.
- غالباً ما يؤدي غياب الربط بين المقدمات والنتائج إلى الهلاك، كما حدث مع الأمم السابقة.
من هم أصحاب الأيكة
أصحاب الأيكة هم قوم النبي شعيب -عليه السلام-، وهم قبيلة عربية قديمة كانت تعيش في شمال غرب الجزيرة العربية. والأيكة تعني الشجر الملتف، وقيل إنها الغيضة التي تنبت السد والأراك وغيرها.
معالم حياتهم كما وردت في القرآن الكريم
سوف نعرض فيما يلي مجموعة من السمات الحياتية لقوم شعيب (أصحاب الأيكة) والتي تم استنتاجها من القرآن الكريم، ومنها:
- كان الاعتقاد السائد بينهم هو الشرك بالله.
قال الله -تعالى-: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ).
- السمات الاقتصادية
تجلت في عدم الوفاء بالموازين وعدم الأمانة في أسعار السلع والبضائع؛ (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
- السمات السلوكية والاجتماعية
تتضمن هذه السمات مجموعة من الخصائص المذمومة، منها:
- الاستهزاء بالأنبياء والمصلحين.
(قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). لقد سخر أصحاب الأيكة من النبي شعيب -عليه السلام- عند دعوته لهم للالتزام بضوابط التعامل المالي.
وكان من المفترض أن تُحكم هذه التعاملات بمعايير إيمانية وأخلاقية ومادية، كضرورة الوفاء بالميزان، وبالتالي تعكس الفوضى الاقتصادية الناجمة عن منطق القوة، كما سخروا منه عند قولهم إنه -عليه السلام- كان يخالف الأغلبية، وأن الحلم والرشد يقتضيان إعادة التفكير في مُعتقداتهم.
- النظر إلى الخلاف من منظور شخصي وليس موضوعي
يظهر ذلك في قوله -تعالى-: (وَيَقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي)، بمعنى “لا تتركوا عداوتي تدفعكم للاستمرار في كفركم بعبادة الأوثان وانتقاص حقوق الآخرين، مما يجلب لكم العذاب”.
- الاحتكام إلى القوة دون اعتبار للمصلحين
وتظهر قدرة النبي شعيب -عليه السلام- في تواجد العشائرية بجانبه، حيث قالوا: (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) * (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ). بمعنى أنهم كانوا يتجنبون قتله بسبب قاعدته القبلية.
- السمات الفكرية
تتضح هذه السمات في عدة تصرفات منها:
- غياب المنطق العقلي
سواء في التفكير العقلي أو اتباع الحجة والبرهان، وكذلك عدم الاكتراث بسير الأقوام السابقة، ويظهر ذلك في قوله -تعالى-: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
كما تبرز مسألة عدم الاستفادة من تجارب الأمم السابقة وفهم القوانين الإلهية في الحياة، كما جاء في قوله -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) * (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) * (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ).
- عدم الالتفات إلى تحذيرات النبي شعيب من عذاب الله
في حالة عدم تعديل سلوكهم ومنطقهم باتجاه الله -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).
أشكال العذاب
كما هو الحال في سنن الله -تعالى- مع الأمم المكذبة، جاء العذاب على أصحاب الأيكة بأشكال متعددة، نوضحها على النحو التالي:
- الوباء الصحي
قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) * (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ).
- عذاب يوم الظلة
قال ابن عباس: “أصابهم حرّ أقلقهم في بيوتهم؛ فظهرت لهم سحابة كظلة، فلما تجمّعوا تحتها أخذتهم الرجفة.”