أين كانت منطقة إقامة سيدنا نوح عليه السلام؟

أين استقر سيدنا نوح عليه السلام بعد الطوفان

تباينت آراء العلماء حول المكان الذي نزل به سيدنا نوح -عليه السلام- ومن معه بعد الطوفان. فقد قال البعض إنهم استقروا في الكوفة، وهو ما أشار إليه ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسيره للآية التي تتحدث عن “فَارَ التَّنُّور”. بينما أشار آخرون إلى الهند، وتحديدًا مكان يعرف باسم بوذ وواشم، وهذا ما ذُكر عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. بالإضافة إلى ذلك، هناك رأي يقول إنهم استقروا في الشام، وتحديدًا في عين وردة، كما كان يرى مجاهد. أما الرازي، فقد ذكر أن دمشق كانت هي المقام الذي اختاره نوح -عليه السلام-، موضحًا أن مصدر السفينة كان من لبنان، وتم ركوبها من بعلبك، بالإضافة إلى أن “فَارَ التَّنُّور” حدث من خلف الحصن الداخلي في دمشق على طريق باب الفراديس.

وصرّح بعض العلماء أن قوم نوح -عليه السلام- استقروا في العراق بعد تزايد السكان في جزيرة العرب وبدء هجرتهم نحو الشمال الشرقي. وكانوا في البداية يعبدون الله -تعالى-، لكنهم تحولوا بعد ذلك لعبادة الأصنام. يُقال إن نوح -عليه السلام- كان هو أول من سكن بابل وعمرها بعد الطوفان، حيث أخذ معه من نجا إلى هناك بحثًا عن الدفء، وتكاثروا وبنوا المدن، حتى أصبحت مساكنهم مرتبطة بنهري دجلة والفرات وتمتد إلى ما وراء الكوفة. ولذلك، يُعرف المكان الذي نزلوا فيه باسم السواد.

هناك أيضًا آراء متعددة أخرى بهذا الشأن، فقد كتب سعيد حوّى في كتابه أنه سكن بلاد ما بين الرافدين، حيث بُعث فيها. بينما أشار الشّعراوي في تفسيره إلى أن جبل الجودي هو المكان الذي استقرت فيه السفينة، والذي يقع بالقرب من الموصل، كما قيل في الموصل من ناحية الكوفة. ورغم اختلاف الآراء حول مكان استقراره، فقد ذكر ابن عاشور وعدد من العلماء أن قوم نوح اتخذوا الجزيرة والعراق موطنًا لهم.

مدة حياة سيدنا نوح عليه السلام

استعرض العديد من العلماء في مؤلفاتهم أن سيدنا نوح -عليه السلام- عاش لمدة تتجاوز الألف وسبعمائة وثمانين عاماً، وهو ما أكده ابن عباس -رضي الله عنه-. إذ اتفق العلماء على أنه كان أول الرسل وأطولهم عمراً. ووردت أقوال أخرى تشير إلى أنه عاش ألف ومئة وخمسين سنة، أو ألف وأربعمئة وخمسين سنة. كما جاء في أن ابن عباس -رضي الله عنه- ذكر أن نوحًا بُعث بعد أن بلغ الأربعين من العمر، ولبث في قومه يدعوهم لعبادة الله -تعالى- لمدة ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنة. وقد أشار عكرمة إلى أنه عاش ألفًا وسبعمائة سنة، بينما أفاد أبو السعود بأنه عاش بعد الطوفان مئتين وخمسين سنة، مما يعني أن عمره الكلي كان ألف ومئتين وأربعين سنة. وهناك من قال إنه بُعث وعمره ثلاثمئة وخمسين، وقضى في قومه ألف إلا خمسين، وواصل الحياة بعد الطوفان ثلاثمئة وخمسين سنة، بينما أشار البعض إلى أنه عاش ألفين ومئتين وخمسين سنة.

نبذة عن سيدنا نوح عليه السلام

يعتبر نبي الله نوح -عليه السلام- أول الرُسل بعد سيدنا آدم -عليه السلام- وأبو البشرية الثاني، حيث اختاره الله -تعالى- للنبوّة وهداية الناس. دعا جميع من خالفه في زمانه بعد أن غرق من كفر به بالطوفان. وقد سُمّي نوحًا بسبب كثرة بكائه، وهو أحد أولي العزم من الرُسل، وتُعدّ دعوته جزءاً مهمًا يُدرس في مجال الدعوة لاحتوائها على العديد من الدروس والعبر. وقد خصص الله -تعالى- دعوته بسورة كاملة في القرآن الكريم، حيث ذُكر أنه أول الرسل وأن إبراهيم -عليه السلام- كان من أتباعه، وقد أطلق الله -تعالى- عليه ألقابًا عديدة تشمل “الأمين”، “العبد الشكور”، و”النذير المبين”. كما يعد من الأنبياء الذين أخذ الله -تعالى- منهم الميثاق.

اختار الله -تعالى- نوحًا -عليه السلام- للنبوة في وقت انتشرت فيه عبادة الأصنام وفسدت الأخلاق، فبقي يدعو قومه لمدة تسعمئة وخمسين سنة، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ). طُعنت دعاوته بالصبر والمصابرة والمجاهدة، وقد وردت العديد من الآيات التي تتحدث عن دعوته، حيث تم تخصيص سورة كاملة لها، وهي سورة نوح، وواجه العديد من التحديات من قومه الذين آذوه وهددوه بالقتل ووصفوه بالجُنون. قال الله -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ* فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ). على الرغم من الألم الذي عاناه بسبب فقد ولده وزوجته وغرقهما مع الكافرين، فإنه ظل صامدًا أمام محنته وتحمل آلامه بلطف وأمل.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *