الأدب العربي في العصر الجاهلي
يعتبر الأدب الجاهلي من الفترات الغنية ثقافيًا، إلا أن ما وصل إلينا من هذا التراث الأدبي يعد ضئيلاً مقارنةً بما أبدعه الأدباء في ذلك الزمن. على الرغم من أن العصر الجاهلي استمر لحوالي قرنين قبل بعثة الرسول الكريم، إلا أن عدم توثيق هذا التراث وموت حُفّاظه أدى إلى فقدانه. وأقدم النصوص التي وصلتنا هي قصيدة المهلهل بن ربيعة التي ينعى فيها أخاه كليب، والذي كان موته سببًا في نشوب حرب استمرت أربعين عامًا.
تُعد كلمة “الأدب” مصطلحًا عامًا، يشمل الكلام الإنشائي البليغ الذي يرمي إلى التأثير على سامعه وإثارة عواطفه، سواء كان نثرًا أو شعرًا. ومع اختلاف الآراء حول مفهوم الأدب، فإننا نشهد تطور هذا понятие وانتقاله من البداوة إلى المدينة، وفقًا لظروف الأمة العربية ورؤيتها لهذا المصطلح. في حين أن المعنى لم يكن كما هو الآن خلال العصر الجاهلي.
الشعر في العصر الجاهلي
تناول الشعر الجاهلي معظم الأغراض الشعرية التقليدية مثل المدح والهجاء والرثاء والوصف والغزل. ويتداخل عدد من هذه الأغراض في بعض الأحيان، حيث قد يستند شعر البعض بالكامل إلى الهجاء أو المديح. ومن الجيد الإشارة إلى أن الشعر العربي خلال هذه الفترة كان شعراً غنائياً يعبر عن مشاعر وأحاسيس الشاعر، مع التركيز على مبادئ الصدق والوفاء والإخلاص.
تظهر الفطرة السليمة، الخالية من النفاق والغرور، بوضوح في شعرهم، مما يجعلهم أكثر قربًا من الحقيقة. وقد وصفوا الأحداث دون مبالغة أو تضخيم، كما يتجلى في قول زهير بن أبي سلمى الذي يمتدح حذيفة بن بدر الفزاري بنبرة طبيعية:
وَأَبيَضَ فَيّاضٍ يَداهُ غَمامَةٌ
عَلى مُعتَفيهِ ما تُغِبُّ فَواضِلُه
بَكَرتُ عَلَيهِ غُدوَةً فَرَأَيتُهُ
قُعوداً لَدَيهِ بِالصَريمِ عَواذِلُه
يُفَدّينَهُ طَوراً وَطَوراً يَلُمنَهُ
وَأَعيا فَما يَدرينَ أَينَ مَخاتِلُه
فَأَقصَرنَ مِنهُ عَن كَريمٍ مُرَزَّءٍ
عَزومٍ عَلى الأَمرِ الَّذي هُوَ فاعِلُه
أَخي ثِقَةٍ لا تُتلِفُ الخَمرُ مالَهُ
وَلَكِنَّهُ قَد يُهلِكُ المالَ نائِلُه
يُعتبر الشعر مرآةً للبيئة والمجتمع، حيث تعكس أغراض الشعر القيم والأخلاق العربية. وعندما ينظم الشعراء هجاء، يبتعدون عن ذكر العيوب الجسدية ويركزون على نقص المروءة والشهامة، مما كان يُزيد من غيظ المتعرضين للهجاء. مثال على ذلك قول قريظ بن أنيف العنبري الذي يهجو قبيلته:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبان
المعلقات: فخر الشعر الجاهلي
تُعد المعلقات من القصائد الطويلة وسُميت بهذا الاسم لأسباب عدة، أشهرها أنها كانت تُعلق على جدران الكعبة لأن الناس كانوا يُعجبون بها ويعظمون أمرها. تتراوح المعلقات بين سبعة وعشرة، ومن أبرز الشعراء الذين نظموا هذه القصائد عنترة بن شداد وطرفة بن العبد. ومن الأمثلة البارزة عليها معلقة امرئ القيس التي يقول فيها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
اعتاد الشعراء أن يبدأوا المعلقات بالوقوف على الأطلال، ثم يصفون رحلة الصحراء، وجمال الناقة وسرعتها، قبل أن يطرحوا الموضوع الرئيس للقصيدة كالممدوح، الهجاء، الفخر، أو الرثاء. وكان للقصيدة نظام ثابت للوزن والقافية، ومن ذلك:
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ
فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ
فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ
النثر في العصر الجاهلي
ظهرت في العصر الجاهلي عدة أنواع من النثر، منها:
الخطبة
تطورت الخطابة خلال العصر الجاهلي، رغم عدم وجود دول بالمعنى الحديث، حيث كان الناس بحاجة لإبراز مهاراتهم البلاغية. وكان للحكّام بين الشعراء دور بارز، مما ساهم في نضوج الفن الخطابي وقوته كجزء لا يمكن تجاهله من الأدب في ذلك العصر.
كانت الخطب تُلقى في الأسواق والأندية، وكذلك في المناسبات السياسية والدبلوماسية، بما في ذلك الحروب. يُعتبر كعب بن لؤي جد الرسول الكريم من أشهر الخطباء، بينما عُرف قيس بن خارجة كخطيب الحرب خلال حروب داحس والغبراء. رغم قلة ما تبقى من أخبار الخطابة، يمكننا استنتاج بعض الأمور من خلال خطبة المأمور الحارثي حيث يقول:
“أرعوني أسماعكم، وأصغوا إلى قلوبكم، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأشر، وران على القلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، إن فيما نرى لمعتبرا لمن اعتبر.”
الرسائل
تباينت آراء العلماء حول وجود رسائل أدبية في العصر الجاهلي، حيث اعتقد البعض بوجودها بينما عارض البعض ذلك. تشير الأدلة على تداول رسائل أدبية شفاهةً، إلا أن معظمها ضاع بسبب قلة التدوين. ومن بين هذه الرسائل نذكر رسائل كليب، والمرقش، وطرفة، والمتلمس، والتي كانت قصيرة وبسيطة، تُظهر الفطرة البدوية. ومن الشواهد على ذلك رسالة حاتم الطائي لوهم بن عمرو حيث يقول:
ألا أبلغا وهم بن عمرو رسالة
فإنك أنت المرء بالخير أجدر
رأيتك أدنى الناس منّا قرابة
وغيرك منهم كنت أحبو وأنصر