نشأة الرسول في مكة وصحراء بني سعد
وُلِد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، حيث قامت حليمة السعدية بإرضاعه في صحراء بني سعد الواقعة جنوب شرق مدينة الطائف. وقد أُقيم عندها خلال السنوات الأربع الأولى من حياته، حتى وقع حادثٌ خلال لعبه مع الأطفال، حيث جاءه سيدنا جبريل، فاستخرج قلبه وأخرج منه قطعةً سوداء وسمّاها “حظ الشيطان”.
وبهذا، طهّر سيدنا جبريل قلبه من وساوس الشيطان وأعاد قلبه إلى مكانه بعد أن غسله بماء زمزم داخل وعاءٍ من الذهب. في تلك الأثناء، شهد الأطفال ما حصل وركضوا نحو مرضعته ليخبرونها بأن “محمداً قد قُتِلَ”، مما أدخل الخوف في قلب حليمة، فقررت إعادته إلى والدته في مكة، وأبلغتها قائلةً: “أدّيتُ أمانتي وذمّتي”.
وتجدر الإشارة إلى أن الإمام مسلم -رحمه الله- أورد في صحيحه هذه الحادثة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشقّ عن قلبه، واستخرج القلب، فأخرج منه علقةً، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طستٍ من ذهبٍ بماء زمزم، ثم لامه، ثم أعاده في مكانه. جاء الغلمان يسعون إلى أمه، فقالوا: إنَّ محمداً قد قُتِلَ، فاستقبله وهو منتعق اللون. وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).
يمكن تلخيص ما سبق في أن النبي وُلد في مكة وأخذته حليمة السعدية من والدته لترضعه في صحراء بني سعد حتى حدثت حادثة شق الصدر، مما أدى إلى إعادته لوالدته في مكة.
رضاعة الرسول في بني سعد
كانت قبيلة بني سعد معروفة بفصاحتها، لذا كانت العائلات العربية ترسل أطفالها إلى مرضعات من هذه القبيلة لأسباب صحية ولغوية. وقد أنعم الله على حليمة السعدية، بنت أبي ذؤيب، بشرف إرضاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفقاً لما ذكره ابن إسحاق -رحمه الله-، فقد ذهبت حليمة مع باقي قومها في طلب الرضاعة مقابل مكافأة.
وكان من بين الأطفال الذين يحتاجون إلى الرضاعة محمدٌ -عليه الصلاة والسلام-، ولأنّه كان يتيماً، لم تقبل به المرضعات، مما دفع حليمة إلى أخذه لعدم وجود أي طفل آخر. وفي طريق عودتها ومعها النبي، قال لها زوجها: “يا حليمة، والله إنّي لأراك قد أخذت نسمةً مباركة، لم ترَ إلى ما نحن فيه من الخير والبركة؟”. وقد أرضعت حليمة مُحمداً لمدة عامين قبل فطامه.
كانت تقول عن الرسول إنّه لم يكن يشبه أقرانه في ذلك الوقت، فعندما بلغ السنتين كان قوي البنية، ثم أخذته إلى أمّه لإتمام رضاعته، لكنها تعلقت به وطلبت منها أن يبقى معها بعيداً عن الوباء الذي أصاب مكة، وأذنت لها آمنة بذلك. وعاش مع حليمة سنتين إضافيتين، ولكن في بداية السنة الخامسة، حدثت حادثة شق صدره، فقررت حليمة إعادته إلى أمه خوفاً عليه رغم عاطفتها تجاهه، وأخبرتها بما حدث، فطمأنتها آمنة قائلة: إنّ له شأناً عظيماً.
يتلخص ما سبق بأن السيّدة حليمة قد أرضعت النبيّ في قبيلة بني سعد قبل وقوع حادثة شق الصدر، وشهدت البركات العظيمة في حياتها نتيجة لذلك.
وفاة أم الرسول عليه الصلاة والسلام
توفيت والدة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد فترة قصيرة من الزمن، حيث كانت تبلغ من العمر ست سنوات. كانت آمنة بنت وهب قد رافقت رسول الله إلى المدينة لزيارة أقاربه، وفي طريق العودة، انتقلت إلى رحمة الله في منطقة تُسمى الأبواء. وكان النبي يزور قبر والدته بانتظام، وهذا ما ذكره أبو هريرة -رضي الله عنه- حيث قال: (زار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استئذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّر الموت).
يتلخص ما سبق في أن والدة الرسول تُوفيت عندما كان عمره -عليه الصلاة والسلام- ستّ سنوات، وانتقلت كفالته إلى جده.
عيش الرسول عليه الصلاة والسلام مع جده
بعد وفاة آمنة بنت وهب، قام عبد المطلب، جدّ النبي، بكفالته واحتضانه بحبٍ وعنايةٍ كبيرة، حيث اعتنى به ورعاه أعظم رعاية. ومع اقتراب احتفاله بعيد ميلاده الثامن، توفي جده عبد المطلب.
عيش الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمه
قبل وفاته، أوصى عبد المطلب ابنه أبو طالب بكفالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورعايته، نظرًا لأنه كان أخاه من نفس الأب والأم. وقد قام أبو طالب بتنفيذ وصية والده، حيث احتضن ابن أخيه وعامله أفضل معاملة، بل كان يولي له اهتماماً أكبر من أولاده.
يمكن تلخيص ما سبق بأن النبيّ كفله جده حتى وفاته، ثم تولّى عمه أبو طالب العناية به، حيث كان يحبه كثيراً ويعامله بحب واهتمام.
اشتغال الرسول عليه الصلاة والسلام بالرعي
في حكمةٍ إلهية، اختار الله لنبيّه محمد مهنة رعي الأغنام، التي تعلّم صاحبها الصبر وتحمل المشاق، كما تهيئه لقيادة الأمم. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكون والوقار في أهل الغنم).
وكان عمّه، أبو طالب، كثيراً ما يأخذ النبي معه في رحلاته، وكان يحرص على النوم بجانبه، كما كان يدافع عنه حتى بعد نبوته. وقد عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- في رعي الغنم في شبابه، ليعول نفسه ويعتمد على قدراته. وقد أشار أبو هريرة إلى أن النبي قال: (ما بعث الله نبيًا إلا ورعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراطيط لأهل مكة).
يتلخص ما سبق في أن النبي الكريم اشتغل في شبابه برعي الأغنام ليتعلم الاستقلال والاعتماد على الذات، حيث كان يأخذ معه إلى رحلات التجارة.
أماكن رحل إليها الرسول خارج مكة
عندما بلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- من العمر اثني عشر عامًا، خرج مع عمّه أبي طالب في رحلةٍ تجارية إلى الشام. وخلال هذه الرحلة، التقوا برجلٍ نصراني يُدعى بحيرا، كان متميزًا بقدرته على رؤية علامات النبوة. رأى بحيرا غمامةً تُظلّ رسول الله دون سائل القافلة، فقام بدعوتهم لتناول الطعام وطلب حضور النبي.
وبدأ الراهب بفحص ملامح النبي وتعلّم الصفات الدالة على نبوته، وقد رآى ختام النبوة، فسأل عمّه عنه، فأجابه أبو طالب بأنه ابنه، فردّ بحيرا قائلاً إن ليس له أب. وحين علم أبو طالب أن والد النبي قد تُوفي قبل ولادته، حذّره بحيرا بأن يعود به إلى مكة، فله شأن عظيم في المستقبل.
باختصار، قام النبي برحلة مع عمّه إلى الشام، حيث قابل بحيرا الذي رأى علامات النبوة في النبي، ونصحه بأن يعود به إلى مكة تحسباً لما قد يحدث.
زواج الرسول عليه الصلاة والسلام بخديجة
في يوم من الأيام، طلبت خديجة بنت خوليد -رضي الله عنها- من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن يقوم برحلةٍ تجارية لمصلحتها، وذلك لما سمعته عن حسن خلقه وأمانته. كانت خديجة تمتلك تجارةً واسعة وتسعى لاختيار شخصٍ أمن للعمل معها، فوافق النبي -عليه الصلاة والسلام- وذهب في تلك الرحلة برفقة غلامها ميسرة.
حققت تلك التجارة نجاحًا كبيرًا، مما أدى إلى ازدياد ثروة خديجة. وقد أخبرها غلامها بمميزات النبي الشخصية وأخلاقه الفاضلة، مما جذبها لطلب الزواج منه. بدورها، قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بالموافقة، وكلف جده وعمّه برغبتها في الزواج، فتزوجها.
يمكن تلخيص ما سبق في أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قام برحلةٍ تجارية لصالح خديجة، وعندما عادت ورأت صفاته الفريدة، اقترحت الزواج منه الذي تم بعد توجيه طلب من عمّه.