المجاز العقلي في القرآن الكريم
يمكن الإشارة إلى عدد من الأمثلة التي تجسد المجاز العقلي في القرآن، ومنها:
- {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ}.
يتجلى المجاز في كلمة (ابن)، حيث يتم إسناد عملية البناء إلى هامان. لكن هذا يعتبر مجازاً عقلياً، إذ لم يكن هامان هو من قام ببناء الصرح بل عمله في ذلك. وبالتالي، هو كان السبب في البناء عند إسناده إليه.
- {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ}.
في هذا السياق، يتضح المجاز في كلمة (راضية)، حيث يُنسب معنى الفعل (الرضا) إلى الضمير المستتر (هي) الذي يعود على عيشة. يكاد يُعتبر أن عيشة هي التي قامت بفعل الرضا مجازاً، إذ أن الأصل هو أن الاسم (مرضية) هو المسند له.
المجاز اللغوي في القرآن الكريم
المجاز المرسل في القرآن
يتواجد المجاز المرسل في العديد من الآيات القرآنية، ومن بين هذه الأمثلة:
- {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
هنا يظهر المجاز في كلمة (الشهر)، حيث إن الصوم يتم عند رؤية الهلال وليس عند دخول الشهر، لكن الهلال يعتبر سبباً في بدء شهر رمضان، مما يجعل هذا المجاز مرسلاً ويرفع علاقة سببية.
- {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}.
أما المجاز في كلمة (ناراً) فيعبر عن النتيجة الناجمة عن أكل مال اليتيم، فقد تم ذكر المسبب ولكن يقصد السبب، وهذا يعكس العلاقة المسببية.
- {فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
في هذا المثال، المجاز يظهر في كلمة (عينها)، حيث أن الذي يقر ويهدأ هو النفس أو الجسد بالكامل، لكن تم استخدام الجزء للدلالة على الكل، ممّا يُعتبر مجازاً مرسلاً ذو علاقة جزئية.
- {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ}.
في استخدام كلمة (أفواههم) هنا، يتبين أن الشخص لا يتحدث بكل فمه بل بلع سانه فقط، لذا تمت الإشارة إلى الكل رغم أن المعنى مقصود منه الجزء، وهذا يمثل مجازاً مرسلاً متنقلاً.
- {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً}.
يتجلى المجاز في كلمة (اليتامى)، حيث لا يمكن تسليم اليتامى أموالهم إلا بعد بلوغهم سن الرشد، ويشير النص إلى توجيه المال لهم بعد أن انتهت فترة يتيمتهم، مما يبرز العلاقة الاعتبارية في المجاز.
- {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً}.
في هذا النص، المجاز يتضح في كلمتي (فاجراً كافراً)، لأننا نعرف أن الطفل لا يولد فاجراً ولا كافراً، لذلك المجاز مرتبط بالاعتبار لما سيكون.
- {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ}.
في هذا السياق، يظهر المجاز عندما نستخدم كلمة (ناديه)، وهي تشير إلى مكان الاجتماع، لكن المعني هو الأشخاص الموجودين في هذا المكان، وبالتالي تم استخدام المحل للدلالة على الحال، مما يجعله مجازاً محلياً.
- {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
في كلمة (رحمة)، لا تعتبر الرحمة مكاناً، لكن المعنى المقصود هو أن الذين ابيضت وجوههم هم في الجنة، مما يجبر على استخدام الحال للدلالة على المكان ويعكس العلاقة الحقيقية.
- {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}.
يشير المجاز في كلمة (لسان) إلى أن المقصود ليس اللسان بحد ذاته بل الأثر الذي يتبعه، وقد استخدم اللسان كأداة ينتج عنها هذا الأثر، وذلك يمثل مجازاً يتعلق بالعلاقة الآلية.
الاستعارة في القرآن الكريم
تُدرج اللغة العربية عدة أنواع من الاستعارة، مثل الاستعارة المكنية حيث يُحذف المشبه به، والاستعارة التصريحية حيث يُحذف المشبه، وسنقدم مثالين لكل منهما من القرآن:
- {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ}.
هنا نجد الاستعارة في كلمة (الصبح)، حيث تم تشبيه الصبح بالكائن الحي القادر على التنفس، فذُكر المشبه (الصبح) وحُذف المشبه به (الكائن الحي)، مما يعكس الاستعارة المكنية، حيث أن المشبه مذكور والمشبه به محذوف.
- {الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
يتضح الاستعارة في كلمتي (الظلمات، النور)، حيث تم تشبيه الكفر بالظلمات والإيمان بالنور، مع حذف المشبه (الكفر والإيمان)، مما يجعل الاستعارة هنا تصريحية، إذ أن المشبه محذوف والمشبه به مُصرّح به.