أحكام الصلاة أثناء السفر

الصلاة

تعدّ الصلاة من أرقى العبادات في الإسلام، فهي ركنٌ أساسي لا يمكن للدين أن يقوم إلا بوجودها. كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ”. ومن الدلائل التي تظهر مكانة الصلاة العظيمة أنها فُرضت على النبي في السماء خلال حادثة الإسراء والمعراج، حيث رواى أنس بن مالك رضي الله عنه، قائلاً: “فُرِضَتْ عَلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بِه الصَّلواتُ خَمسينَ، ثُمَّ نَقصَتْ حتَّى جُعِلَتْ خَمسًا، ثُمَّ نودِيَ: يا محمَّدُ: إنَّهُ لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لَكَ بِهذِهِ الخمسِ خَمسينَ”. ولم تكن هذه المكانة مجرد كلمات، بل أشار الرسول الكريم، وهو على فراش الموت، إلى أهمية الصلاة حين قال: “الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانُكم”.

أحكام الصلاة في السفر

هناك العديد من الأحكام المتعلقة بصلاة المسافر. فيما يلي نستعرض أبرز هذه الأحكام.

حكم الأذان في السفر

يُعتبر الأذان فرض كفاية على المسلمين، كونه من شعائر الإسلام التي تميز المسلمين عن غيرهم. وقد أكد المحققون على وجوب الأذان في السفر والحضر. إذ لم يتجاهل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الأذان في أي من حالتي السفر أو الحضر، وقد استمر الخلفاء الراشدون على هذا النهج. كما أوصى النبي مالك بن الحويرث رضي الله عنه قائلاً: “صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرتِ الصلاةُ، فلْيؤذنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم”. وهذا الأمر يحمل دلالة واضحة على الوجوب، كما أشار ابن المنذر بقوله: “الأذان والإقامة واجبان على كلّ جماعةٍ في السفر والحضر؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر به مالك بن الحويرث”.

حكم القصر في السفر

شرع الله تعالى القصر في الصلاة للمسافر، والدليل على ذلك هو الآية الكريمة: “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّ مُّبِينًا”. على الرغم من أن الآية تشير في ظاهرها إلى القصر في حالة الخوف، إلا أن الدلالة العامة تشمل تقصير الصلاة في حالات الأمان أيضاً. كما روى عن علي بن أميّة رضي الله عنه، عندما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الآية، فقال: “عجبتُ ممّا عجبتَ منهُ، فسألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلك، فقال: صدقةٌ تصدقَ اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقتَه”. وذكر ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي ركعتين فقط في السفر، وهو الأمر الذي كان يفعله أيضاً أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. ويعتبر العديد من العلماء القصر في السفر رخصةً أو سنّة مؤكدة، حيث يُسمح للمسافر بقصر صلاته، ويجوز له أن يُتمَّها، ولكن يُفضل أن يقصرها وفقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تؤتى رُخَصُه كما يكرَهُ أنْ تؤتى معصيتُه”.

مسافة القصر والجمع في السفر

اختلفت آراء العلماء في المسافة التي يمكن للمسافر قصر الصلاة عند قطعها، وفيما يلي ملخص لآرائهم:

  • يعتقد الرأي الأول من العلماء أنه لا يُشرع القصر إلا إذا نوى المسافر قطع مسافة ستة عشر فرسخاً، مما يعادل ثمانية وأربعين ميلاً. وقد أشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى تلك المسافة بمقارنة مع الطرق بين مكة وجدة أو عسفان.
  • الراي الثاني يرى جواز القصر عند نية السفر لمسافة عشرة فراسخ، أي ثلاثين ميلاً، وقد قال ابن المنذر: “ثبت أنّ ابن عمر كان يقصر إلى أرض له هي ثلاثون ميلاً”.
  • يذهب الرأي الثالث إلى أن مسافة القصر تساوي مسيرة ثلاثة أيام، وهذا يستند إلى ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • بينما يرى الرأي الرابع جواز القصر في ما دون مسيرة يوم، كما أشار بعض الصحابة.
  • كما يوجد رأي بأن جواز القصر يكون عند قطع مسافة تُعتبر سفراً في عرف الناس وعادتهم، وهذا ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

حكم الجمع بين الصلاتين في السفر

يُسمح بجمع الصلاتين خلال السفر إذا كان ترك الجمع يُسبب مشقة للمسافر. فقد أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين بعض الصلوات في أسفاره، مما يشير إلى أن الحكم ليس سنّةً مستحبّة في جميع الأحيان، بل يُستحب الجمع في حالة وجود مشقة.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *