يُعتبر التنمر سلوكًا عدوانيًا يمارسه الأطفال تجاه أقرانهم، سواء في البيئة الأسرية أو في المدارس. ولكن لا تقتصر هذه الظاهرة على الأطفال فقط، بل يمكن أن يمارسها البالغون في الجامعات أو أماكن العمل أو في الفضاءات العامة.
نظراً لخطورة هذه الظاهرة، سنقوم بإعداد دراسة شاملة عن التنمر، تتناول أسبابه وأنواعه وتأثيره على المجتمع، بالإضافة إلى استعراض طرق علاج هذه الظاهرة.
الفرق بين التنمر والنقد
مع انتشار سلوك التنمر بين الأطفال وأقرانهم، وأيضًا بين الكبار في بيئات العمل، قد يختلط الأمر على بعض الناس بشأن التمييز بين النقد والتنمُّر. ومن المهم فهم الفروق الجوهرية بينهما، والتي سيتم استعراضها فيما يلي:
تعريف النقد
يُعرف النقد بأنه التعبير عن رأي حول شخص محدد بإبراز تعليقات قد تكون إيجابية أو سلبية، ولكن بأسلوب ودي. ويمكن أن يتخذ النقد شكل التعبير الشفهي أو الكتابي.
تعريف التنمر
يُعرف التنمر بأنه سلوك ينطوي على إلحاق الأذى بشخص معين عبر الإساءة إليه، سواء كانت هذه الإساءة لفظية، جسدية، أو عاطفية. يتسم هذا السلوك بتكراره المستمر ويظهر من خلال أساليب عدائية تسلط الضوء على عيوب الضحية.
أسباب التنمر
من المهم أن نعي أن التنمر ليس سمة فطرية، وإنما ينشأ نتيجة لتأثيرات محيطية تجعل من الشخص فردًا متنمرًا. ومن بين الأسباب التي قد تؤدي إلى ذلك:
- عدم تقدير الذات.
- نقص في التربية الدينية.
- تعرض الفرد لظروف اجتماعية غير مواتية، سواء من حيث الوضع المالي أو الأسري أو لأسباب اجتماعية أخرى.
- إصابة المتنمر بإعاقة طبية أو عقلية قد تؤثر على سلوكه العدواني.
- تعرض المتنمر لممارسات عنيفة جسديًا أو نفسيًا.
- ضعف المهارات الاجتماعية.
- نشأة الفرد في بيئة مترفة قد تؤدي إلى شعور بالتفوق والاستعلاء.
- تأثر الفرد بأساليب تمييز عنصرية في محيطه فيما يتعلق باللون أو الجنسية أو الدين.
- تعرض الفرد نفسه للتنمر في فترة سابقة مما يجعله يتطبع على هذا السلوك تجاه الآخرين.
- حرمان الفرد من الموارد الاقتصادية أو العاطفية مما يدفعه للتنمر كوسيلة تعويضية.
أعراض التنمر
تظهر على الأطفال أو البالغين الذين يتعرضون للتنمر علامات مختلفة، ومنها:
- قد تُلاحظ انخفاضًا في درجات الطفل في المدرسة وتراجعًا في نشاطاته المدرسية.
- عدم رغبة الفرد في الذهاب إلى الأماكن التي شهدت ممارسات التنمر، مثل المدرسة أو workplace.
- ميل الفرد للعزلة ورفض الاندماج في الأنشطة الجماعية.
- ظهور علامات التوتر والقلق المستمر على الفرد.
- تجاهل الفرد لمظهره الخارجي.
- تغيرات في الشهية، مثل فقدانها أو زيادتها.
- تطبيق أساليب عدوانية في التعامل مع الآخرين.
أنواع وطرق التنمر
تتعدد أشكال وأساليب التنمر، ومن أبرز أنواعها ما يلي:
التنمر في المدرسة
يتعرض الطلاب لمختلف أشكال التنمر خلال مراحل التعليم، بدءًا من التعليم الأساسي وصولًا إلى التعليم الجامعي. يُعتبر هذا النوع من التنمر من الأكثر انتشارًا والأخطر، حيث تتاح الفرص للطلاب للقيام بأفعال غير مسؤولة تؤثر على مستقبلهم.
التنمر في الأسرة
قد يحدث التنمر داخل الأسر عن طريق الأهل تجاه أبنائهم أو بين الإخوة أنفسهم. كما يمكن أن يحدث التنمر بين الأزواج، مما يؤثر بشكل كبير على تشكيل شخصية الفرد أو تدميرها.
التنمر في العمل
يظهر هذا النوع من التنمر بين زملاء العمل، وقد يؤدي إلى انعزال الفرد وفقدانه للدافع في الذهاب للعمل، مما يؤثر سلبًا على حالته الاقتصادية والنفسية.
التنمر الإلكتروني
يحدث هذا النوع من التنمر عبر الوسائل الإلكترونية، مثل فيسبوك وتويتر. يُعتبر التنمر الإلكتروني نوعًا قاسيًا، حيث يتعرض الفرد لمضايقات من مجموعة كبيرة من الأشخاص من خلال رسائل مسيئة أو تهديدات.
التنمر السياسي والإعلامي
يتم استغلال التنمر في السياسة، حيث يمكن للمرشحين استخدامه ضد بعضهم في الحملات الانتخابية، أو عبر وسائل الإعلام لتعزيز أجنداتهم السياسية بما يتضمن التنمر على الدول الضعيفة.
التنمر الجسدي
يحدث هذا النوع من التنمر من خلال استخدام العنف البدني مثل الضرب أو الاعتداء الجسدي.
التنمر اللفظي
ينطوي هذا النوع على استخدام ألفاظ مهينة أو انتقادات حادة تجاه مظهر الفرد، مما يترك آثارًا نفسية كبيرة على الضحية.
آثار التنمر
تتأثر المجتمعات والأفراد بشدة عندما يعانون من أنواع مختلفة من التنمر، سواء كان لفظيًا أو جسديًا. ومن آثار التنمر الشائعة:
- ضعف ثقة الفرد بنفسه.
- تعرض الفرد للاضطرابات النفسية، مما قد يؤدي إلى الاكتئاب، وقد يقود في بعض الحالات إلى الانتحار.
- تزايد العزلة الاجتماعية والاتجاه نحو السلوك الانطوائي.
- فكرة الهجرة هربًا من التنمر.
- إمكانية ارتكاب جرائم شديدة بسبب التأثير السلبي للتنمر.
- معاناة الفرد من الأرق وفقدان الشهية.
- تعزيز الأفكار العدوانية مما يؤدي إلى تشكيل شخصية متنمرة جديدة.
- تدهور عام في سلوك الفرد.
نتائج التنمر على الأصدقاء
- يشعر الطفل بالكراهية تجاه المدرسة وقد يتركها مبكرًا.
- يمكن أن يلجأ الطفل الذي تعرض للتنمر إلى سلوكيات عدوانية، مثل تدمير الممتلكات المدرسية.
- دخول الطفل في مشاجرات مستمرة.
- أظهرت الأبحاث أن التأثيرات السلبية للتنمر على الأطفال في سن العاشرة ترتبط بشكل أساسي بالسلوك العدواني وزيادة احتمالات السرقة.
الجانب الديني لظاهرة التنمر
حثنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على تجنب التنمر، حيث قال: “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم…” (المقصود الآية الكريمة). يُشدد في هذا النص على عواقب عدم الامتناع عن التنمر، حيث يُعتبر الفاعل ظالمًا.
كما حذر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الإساءة إلى الآخرين، مشيرًا إلى أن المسلم هو من يتجنب إيذاء الآخرين سواء بالقول أو الفعل.
علاج ظاهرة التنمر
توجد عدة طرق يجب اتباعها لمعالجة ظاهرة التنمر، ومنها:
- تعزيز ثقة الفرد بنفسه من خلال تقديره المستمر.
- رفع وعي الأسرة بشأن كيفية التعامل مع أبنائهم ومراقبة سلوكياتهم.
- زيادة وعي الفرد من الناحيتين الدينية والأخلاقية.
- في حالة ملاحظة توفر حالات تنمر، يجب استشارة طبيب نفسي.
- اتخاذ إجراءات قانونية صارمة تجاه أي نوع من أنواع التنمر.