يعد الحب فطرة غريزية متأصلة في قلب كل إنسان، فهو عنصر لا غنى عنه. وقد أشار الله تعالى إلى وجود الحب، حيث يمكن لحب الله ورسوله أن يلبي كل احتياجات الفرد، وعندما تشعر بالضيق وكأن العالم يضيق من حولك، فلا تتردد في العودة إلى خالقك، أشكُ له همومك وآلامك من خلال الصلاة. وعلى الرغم من أن الله قد يبدو بعيدًا، إلا أنك ستشعر بقربه في كل الأوقات.
تنقسم أنواع الحب إلى عدة أصناف، أولًا: الإعجاب، الذي ينشأ عند رؤية شخص للمرة الأولى. والنوع الثاني هو الارتباط بشخص يكون بجانبك دائمًا، حيث يمكنك أن تتبادل معه مشاعرك ومخاوفك، فهو من يشاركك همومك. لذا، لديك الحرية الكاملة في اختيار من تحب.
الفراق
قد يحدث أن يتعلق الشخص بشخص آخر تعلقًا عميقًا، ويبذل كل جهده لإرضاءه، مما يجعله يعتقد أنه لا يستطيع العيش بدونه. وفجأة، دون أي إشعار مسبق، يُنتزع المحبوب من حياته، مما يتركه في حالة من الألم لفراقه.
إنها سنة الله في خلقه: ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾، وهي سنة لا تدل على المجاملة، حتى لو كان الأمر يتعلق بحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم. فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس.”
يقول سبحانه: إذا أراد شيئًا، يقول له كن فيكون، لذا أحبب من شئت وتعلق بمن تحب، لكن تذكر أنك ستفارقهم يومًا ما.
لقد فقدنا أحبابًا لم نعتقد يومًا أن الموت سيأخذهم، وبعضهم كانوا في زهرة شبابهم، رغم إيماننا بأن الموت لا يفرق بين صغير وكبير. لقد غادرونا إلى الرفيق الأعلى، وامتلأت قلوبنا بالحزن لفراقهم، ولكننا نرضى بقضاء الله مؤمنين بأن ما يختاره الله لنا هو خير مما نرغب فيه.
أعظم محبوب
قد يطرح السؤال: هل من المحتمل أن يقضي الإنسان حياته يعاني من ألم فقدان الأحبة؟ هل يوجد حبيب لا يزول؟
يقول الله تعالى: ﴿إلا وجهه﴾ وأيضًا: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾، أي أن الله وحده هو الذي يبقى، ذو الجلالة والعظمة والكرم.
الكل زائل إلا الله، والذي هو حي لا يموت، لذا فلنبارك من القلب لمن جعل الله سبحانه وتعالى محبته الأصلية، وهنيئًا لمن تغلب على حب الآخرين بحب الله سبحانه وتعالى، مستعجلًا الموت من أجل لقائه.
ذكرت إحداهن: “والله قد سئمت الحياة حتى لو وجد الموت ليباع، لشراءه لشوقي إلى الله وحبي للقائه.” وعندما سُئلت عن ثقتها بأعمالها، أجابت: “لا والله! فحبي له وظني الجيد به يجعلاني أعتقد أنه لن يعذبني وأنا أحبه.”
يا رب! يا الله! يا واسع الرحمة! يا دائم، أسألك أن ترزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب الأعمال التي تقربنا إلى حبك، وحب لقائك.
كيفية التعامل مع الحب
جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس.” هل يساعدنا هذا الحديث في تقبل ما يحدث لنا؟ أم أن الإنسان بطبعه يصعب عليه قبول فكرة الفراق؟
من يسعى نحو السعادة يجب أن يدرك الحياة بجوانبها المختلفة، وهذا الحديث يساعد في فهم طبيعة الحياة. إن الحب هو أعظم شعور يمكن أن يختبره الإنسان، حيث يصبح المحبوب أغلى ما في الوجود بالنسبة للشخص الذي يحبه. وفكرة الفراق تعتبر كارثة، وتصور الحياة بدون المحبوب تجربة مريرة.
فهل ينبغي علينا التعامل مع الحب بجفاء لأننا نعرف أنها لا تدوم لأحد؟ أم يجب أن نتمسك بكل لحظة حب نعيشها ونسعى لتجربة كل ثانية بسعادة ومحبة، ونبتعد عن التفكير في المستقبل؟ فقليلاً ما يهم كم سنعيش من السنوات، بل الأهم هو كيف نعيش هذه السنوات في دنيا لا تعرف الخلود إلا لخالقها (سبحانه وتعالى) فقط.