مكان نزول الوحي على سيدنا محمد

موقع نزول الوحي على سيدنا محمد

بدأت حياة العزلة والانفراد للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما اقترب من سن الأربعين. لقد كانت هذه العزلة مُحببة له، حيث كان يتوجه إلى غار حراء، الذي يتواجد في الجهة الشمالية الغربية من مكة المكرمة، ليقضي فيه ليالٍ طويلة من التأمل والتعبد. كانت فترات اختلائه تتراوح بين عشرة أيام وأحيانًا تصل إلى شهر، ومن ثم يعود إلى منزله لفترة قبل أن يعود مرة أخرى لعزلته. وتروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنه: (أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وهو التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا). استمر النبي على هذا الحال حتى نزل عليه الوحي من جبريل -عليه السلام- في إحدى خلواته خلال شهر رمضان المبارك.

غار حراء هو كهف يقع في جبل يبعد عن مكة المكرمة مسافة ساعة تقريبًا سيرًا على الأقدام. ويُعتبر جبل حراء من الجبال المميزة التي تُعَد جزءًا من سلسلة الجبال المنحدرة على يسار المسار المؤدي إلى منى، حيث يطل على مساحات شاسعة من الأراضي والمرتفعات.

حكاية نزول الوحي

يشكل نزول الوحي والقرآن الكريم على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بداية جديدة وتحولًا فارقًا في تاريخ البشرية. حيث لم يحدث للإنسان من قبل أن تحملت فكرته تصورًا واضحًا وشاملاً عن الكون والحياة، كما جاء بها النبي. هذه اللحظة التاريخية، التي حدثت عندما أتم الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأربعين من عمره، وقعت يوم الاثنين بعد سبعة عشر يوماً من بداية شهر رمضان.

أول ما نُزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان كلمة “اقْرَأْ” من سورة العلق، كما رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذ قالت: (حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ النبيُّ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ} [العلق: 1] – حتى بَلَغَ – {عَلَّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]، فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حتَّى دَخَلَ على خَدِيجَةَ).

عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها- وهو متأثر وخائف مما حصل، قائلاً: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي). وقاموا بتغطيةه حتى ذهب عنه الخوف، ثم سرد لها ما حدث من أحداث، معربًا عن قلقه. وقد قامت بإزالة تلك المخاوف عنه، مطمئنةً إياه أن الله لن يضيعه ولا يخزيه، لأنه كان يحسن إلى الناس ويقوم رابطة الأرحام، ويعتني بالمحتاجين. بعد ذلك، أخذته السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتخبره عن النبي بأنه رسول الوحي جبريل -عليه السلام- الذي نزل سابقًا على موسى -عليه السلام-.

أهمية نزول الوحي

ذُكر في القرآن الكريم أن الله خلق الإنسان لمهمة محددة، حيث قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). وهب الله الإنسان عقلًا يمكنه من التفكير والتعرف على الأمور حوله ووزن الأمور وفهم الحقائق. ومع ذلك، فإن العقل وحده قد يُضلّل الإنسان ويقوده إلى الشكوك والأوهام. ولذلك، الضروري وجود الوحي الإلهي لتوجيه العقل وتهذيبه، فالوعي الرباني هو السبيل إلى الهداية والرشد ويعزز معرفة الله -تعالى- وطرق عبادته، مما يساهم في تحقيق السلام النفسي والعدل المجتمعي.

كما يعتبر نزول الوحي نعمةً من الله -تعالى- تُساعد الإنسان في حياته اليومية نحو الوصول إلى السعادة. وباتباع تعاليمه، يمكن الفرار من الهموم والعناء، وتوضيح الطريق الصحيح الذي يتعين على الإنسان اختياره. أما على المستوى الآخروي، فإن الوحي يُعد مخرجًا من عذاب مضني ويُعد مرشدًا للمؤمنين للطلب الهداية بالصراط المستقيم الذي يدعوه المسلم بقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). وتجدر الإشارة إلى أن نعمة الوحي تُعد تكريمًا للإنسانية جميعًا، حيث قدم الله للخلق فهمًا واضحًا يُعينهم على الصلاح، وهذا يعد من أعظم النعم التي منحها الله للبشرية.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *