أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، المعروف بأبي محمد، كان شخصية محورية في التاريخ الإسلامي وحظي بمحبة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد عُين قائدًا للجيش الإسلامي بفضل تلك المحبة. في هذا المقال، سنتناول جوانب مختلفة من حياة أسامة بن زيد ونشأته.
الصحابي أسامة بن زيد
كانت والدته تُدعى أم أيمن، واسمها بركة، وهي من حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وُلِد أسامة في مكة المكرمة عام 7 قبل الهجرة، ونشأ فيها متبعًا تعاليم الإسلام، حيث هاجر إلى المدينة المنورة مع النبي محمد الذي أحبه كأحد أفراد أسرته.
زيد بن حارثة، والد أسامة، كان قد وهبه السيدة خديجة للنبي محمد، والذي أعتقه فيما بعد وتزوج أم أيمن، وأنجبا أسامة بن زيد رضي الله عنه.
تأثير النبي محمد في نشأة أسامة بن زيد
بعد ست سنوات من بعثة النبي محمد، وُلِد أسامة بن زيد رضي الله عنه، فتربى في كنف الدين الإسلامي، بحيث لم تُؤثر عليه فترة الجاهلية. كان بالقرب من بيت النبي، ورافقه باستمرار.
وفقًا لما ورد في مسند الإمام أحمد، روى أسامة بن زيد رضي الله عنه قائلاً: “كنت الرديف لرسول الله يوم الذهاب إلى عرفات”. أثناء الرحلة، رفع النبي يده للدعاء بينما تعثرت الناقة، لكنه استطاع أن يمسك بخطامها بيده الأخرى. وهذا يدل على مدى تأثير النبي محمد على أسامة، خاصةً أن النبي كان يُحبه حبًا كبيرًا. كما ورد عن أبي هريرة في صحيح البخاري أن النبي كان يأخذ أسامة وابنه الحسن ويقول: “اللهم أحبهما، فإني أحبّهُما”.
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمر مَنْ حوله بمدح أسامة، حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة”. وكان يتردد على خاتم أسامة العبارة الشهيرة “حب رسول الله”، بالإضافة إلى أنه تزوج في سن الخامسة عشر.
شفاعته في حدود الله
روى الإمام البخاري عن عروة بن زبير رضي الله عنهما حادثة تتعلق بامرأة سرقت في عهد النبي محمد بسبب غزوة الفتح. سارع أهل المرأة إلى أسامة بن زيد ليطلبوا شفاعته. وعندما ناقش أسامة الأمر مع النبي، بدت على وجهه علامات الغضب وصرح: “أتحدثني عن حد من حدود الله؟”. علق أسامة بقول: “استغفر لي، يا نبي الله”. في المساء، ألقى النبي خطبة ذكر فيها أسباب هلاك الأمم السابقة بسبب انحيازهم في العدالة. وأكد أنه لو كانت فاطمة ابنته سرقت لأقام عليها الحد.
وفي النهاية، أُمرت المرأة بقطع يدها، وبعد فترة حسنت توبتها وتزوجت فيما بعد.
دور أم أيمن في تربية أسامة بن زيد
أم أيمن رضي الله عنها، الحاضنة لرسول الله، كانت مؤمنة ومجاهدة شاركت في العديد من الغزوات الإسلامية. كان من أبرز أدوارها توفير المساندة للجنود من خلال تقديم الماء ومعالجة الجرحى في غزوة خيبر.
رُوي عنها العديد من الأحاديث النبوية. وقد وصف ابن حجر أم أيمن بأنها “بقية أهل البيت”، مما يدل على مكانتها العالية. كانت أسرة أسامة بن زيد عائلة مجاهدة، حيث استشهد والده زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، وشقيقه أيمن في غزوة حنين، مما رسخ في نفوسهم قيم الجهاد والدفاع عن الدين. ولذلك، عُين أسامة قائدًا لجيش المسلمين في سن 18 عامًا، رغم وجود كبار الصحابة.
أسامة بن زيد قائد الجيش الإسلامي في غزو الروم
على الرغم من صغر سنه، عينه النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائدًا للجيش الذي يتجه نحو غزو الروم في الشام، حيث قال له: “يا أسامة، سير على بركة الله حتى تحقّق ما تريد”. وبالفعل، تأكد النبي من استعداده وجاهزيته قبل أن يتوجه نحو شرطة الروم.
على الرغم من اعتراض بعض الصحابة على تنصيبه، فإن النبي محمد عبّر عن استيائه وأكد لهم براءته ودعمه لأيمن. وفي خطبته، ذكّرهم بمناقب أسامة وأبوه زيد، وأوصاهم به خيرًا، وبهذا تم تأكيد مكانته القيادية في الجيش.
قبل مغادرته، جاء المسلمون ليودعوا النبي، وعندما أدرك أسامة أنه لن يتمكن من العودة في الوقت المناسب، تسرع إلى المدينة حيث وجد النبي في اللحظات الأخيرة من حياته. توفي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين الموافق 12 من ربيع الأول.