دور الإصلاح بين الزوجين في القرآن والسنة
يدعو الدين الإسلامي رُواد المجتمع إلى أهمية الإصلاح بين الأفراد، حيث يتجلى ذلك في هدفه السامي المتمثل في بناء مجتمع متماسك ومتراحم. ومن أبرز مجالات الإصلاح التي يركز عليها الإسلام هو إصلاح العلاقات الزوجية، إذ تعتبر الأسرة النواة الأساسية للمجتمع. وقد ورد في القرآن الكريم آيات تعزز من قيمة الإصلاح بين الزوجين، ومنها قوله -تعالى-: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، حيث يعبر الله سبحانه وتعالى عن أن الصلح خير. كما قال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)، أي أنصحو ووسّعوا نطاق المصالحة فيما بينكم.
تشير الأحاديث النبوية إلى أن حدوث الاختلافات بين الزوجين أمر طبيعي، لكن الأهم هو ألا تؤدي هذه الخلافات إلى الفراق والنزاع. في سياق ذلك، يُعرف موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في سعيه للإصلاح بين الأزواج، كما أورد سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: (جَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا في البَيْتِ، فَقَالَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ فَقَالَتْ: كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِندِي، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أيْنَ هو فَجَاءَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هو في المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُضْطَجِعٌ، قدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن شِقِّهِ فأصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْسَحُهُ عنْه وهو يقولُ: قُمْ أبَا تُرَابٍ).
أهمية إصلاح العلاقات الزوجية
بما أن الأسرة تشكل جوهر المجتمع، تصبح مهمة الحفاظ عليها وتوثيق روابطها ضرورة ملحة. تبرز أهمية الإصلاح بين الزوجين من خلال النقاط التالية:
- يُساعد الإصلاح بين الزوجين في الحفاظ على الأسرة التي تمثل حجر الزاوية للمجتمع، فالاختلافات بين الزوجين قد تؤدي إلى انهيار البيوت وتفككها، مما يعكس على تشتيت الأسر وتفككها.
- غياب الإصلاح قد يسفر عن تفشي الفساد في العلاقات وزرع الكراهية والفتنة، مما قد يؤدي في حالات معينة إلى الانفصال.
- يؤدي عدم إجراء الإصلاح إلى تفكك الأسرة، مما يفضي إلى انتشار الفواحش وإحداث دمار، فضلاً عن ضياع الأسر وتشتت الأبناء.
أساليب الإصلاح بين الزوجين
شرع الله -عز وجل- آليات للإصلاح بين الزوجين، تهدف إلى حل النزاعات وتخفيف التوترات بينهم. ومن أبرز هذه الوسائل:
- الوعظ والإبعاد، وهي وسائل أكدها الله -تعالى- في قوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
- تكليف حكمين من أسرتي الزوجين عندما يحدث نزاع، وهو ما أشار إليه الله -تعالى- بقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).