تاريخ الإسلام في إسبانيا
تتمتع إسبانيا بتاريخ طويل وعريق مع الديانة الإسلامية، حيث شهدت دخول الجيوش الإسلامية إلى أراضيها منذ العقود الأولى للإسلام إثر الحملات الفتحية التي اجتاحت مختلف أرجاء العالم، وكانت تعرف آنذاك باسم “الأندلس”. وما زالت الآثار الإسلامية واضحة إلى اليوم في هذه الأرض.
دخل الإسلام إسبانيا في وقت مبكر، وتحديدًا في عام (93هـ – 711م)، عندما قام المسلمون بفتح شبه جزيرة أيبيريا. وقد انتشر المد الإسلامي بسرعة كبيرة ليغطي مساحة شاسعة من شبه الجزيرة، وكانت نتائج الفتح إيجابية للغاية بفضل قوة وتسامح الفاتحين المسلمين.
تظهر أولى مراحل فتح الأندلس كيف جرت العهود من خلال المؤلفة قلوبهم من العرب والبربر، الذين انطلقوا بشغف لفتح القرى والمدن الأيبيرية. وبذلك، أصبحت الأندلس منارة للحضارة الإسلامية، وبدأ الإسلام ينتشر منها إلى مدن وممالك أوروبية أخرى.
استمر المسلمون في حكم إسبانيا لمدة ثمانية قرون، حيث لم يفرضوا الدين الإسلامي على السكان المحليين، بل أتاحوا لهم حرية الاعتقاد. لكن هذا الوضع تغير بعد سقوط الأندلس، حيث تعرض المسلمون لاضطهاد مرير من قبل الكنيسة الكاثوليكية التي استخدمت أبشع وسائل التعذيب، ما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة منهم في فترة محاكم التفتيش، حيث قُتل أكثر من نصف مليون مسلم.
زيادة عدد المسلمين في إسبانيا
أجرى اتحاد الجاليات المسلمة في إسبانيا بالتعاون مع المرصد الأندلسي دراسة تكشف عن زيادة ملحوظة في عدد المسلمين، حيث ارتفعت نسبتهم بنسبة 8.4% مقارنة بالعام السابق، مما يعني أن العدد قد زاد بمقدار 718.228 فردًا، وكان هذا التزايد ناتجًا عن الهجرات وكذلك عن المواطنين الأصليين.
تضم إسبانيا حوالي مليوني مسلم، حيث تشير الدراسات السابقة إلى أن نسبة المواطنين الأصليين تبلغ حوالي 41.2%، بينما تمثل نسبة المسلمين المهاجرين نحو 58.7%. ويمثل أكثر من نصف المسلمين من المواطنين الأصليين ولادة في إسبانيا، مما يدل على تزايد الاهتمام بالدخول في الإسلام بين السكان المحليين والمواطنيين الجدد.
وأوضح رئيس اتحاد الجاليات المسلمة وإمام مسجد مدريد “رايح ططري” أن هذه الأرقام متوقعة نظرًا لسياسة الانفتاح التي يتبعها الإسبان تجاه المهاجرين المسلمين ومنحهم الجنسية، مما يعزز الزيادة في عدد المسلمين ويساعد على تعريف المجتمع بالدين الإسلامي بشكل أكبر، إضافة إلى تأثير العلاقات الأسرية والاجتماعية معهم.
التعريف بإسبانيا وجهود المسلمين فيها
تقع إسبانيا في شبه جزيرة أيبيريا في جنوب غرب قارة أوروبا، محاطة بالبحر الأبيض المتوسط من الشرق والجنوب، ويحدها البرتغال والمحيط الأطلسي من الغرب، بينما تفصل بين فرنسا وجبال البرانس. عاصمتها الحالية هي مدريد، بينما تعتبر قرطبة وبرشلونة من أبرز مدنها. وتشير الدراسات السابقة إلى أن المسلمين يشكلون حوالي 2.5% من إجمالي عدد السكان الذي يبلغ نحو 48 مليون نسمة.
لقد ساهم المسلمون في الأندلس بشكل حضاري نادر في التاريخ الإنساني، ولا تزال آثارهم عامرة حتى اليوم. فقد أنجبوا علماء غطوا مختلف المجالات وقد أسسوا حضارة إسلامية أندلسية غنية، ومن أبرز الشخصيات التاريخية التي جاءت من تلك الفترة: ابن حيان القرطبي، وابن حزم الأندلسي، وأبو عبد الله الحميدي، ويونس مغيث قاضي القضاة، والعديد من العلماء الآخرين.