تُمثل الدولة الفاطمية سلالة سياسية ودينية حكمت إمبراطورية شمال إفريقيا ثم الشرق الأوسط في الفترة من 909 حتى 1171 ميلادي. جاءت محاولاتها للإطاحة بالخلافة العباسية كجزء من سعيها لتكون قادة العالم الإسلامي، وكانت تُعرف باسمها نسبة إلى فاطمة، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مقدمة عن الدولة الفاطمية
قبل ظهور الفاطميين، كانت هناك حكومات أخرى في شمال إفريقيا ومصر، وقد نجحوا في بسط نفوذهم على الخلفاء العباسيين في بغداد، لكن هؤلاء الحكام كانوا من السنة وكانوا مستعدين للاعتراف بالسلطة الرمزية للخليفة كقائد للمجتمع الإسلامي.
من هم الفاطميون؟
- الفاطميون هم من نسل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عبر ابنته فاطمة وابن عمه علي. لفهم مغزى هذا الادعاء، يجب الرجوع إلى الأيام الأولى من الإسلام وما دار من جدل حول خلافة النبي.
- بعد وفاة النبي عام 632 ميلادي، انقسم المسلمون إلى تيارين رئيسيين: الشيعة والسنة. اعتقد السنة أنه لم يكن هناك خليفة معين للنبي، ما أدى إلى انتخاب أبو بكر كأول خليفة.
- بالمقابل، رفض الشيعة هذه الرؤية، معتبرين أن النبي قد اختار علي ليكون خليفته كزعيم ديني (إمام) وزعيم زمني (خليفة). وقد دعم الشيعة ادعاء أحفاد علي بالخلافة، في انتظار استعادة الحق المشروع.
- أسست الدولة الفاطمية هذا المنوال، وقد قوبلت بحماس كبير من قبل الشيعة الإسماعيليين في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
تأسيس الدولة الفاطمية
- خلال القرن التاسع، انتشر المبشرون الإسماعيليون في مختلف أرجاء الإمبراطورية الإسلامية، يدعون إلى ثورة ضد النظام السني والدولة العباسية.
- بعد عدة محاولات غير ناجحة، استطاع الإسماعيليون إنشاء قاعدة في اليمن، ومن هناك بدأوا في إرسال بعثات إلى شمال إفريقيا، حيث حققوا نجاحًا ملحوظًا.
- في النصف الأول من القرن، اختصت الخلافة الفاطمية بحكم شمال إفريقيا وصقلية، حيث واجهت تحديات عدة مع تحمل معظم سكانها لمذهب السنة المالكية، فضلاً عن وجود عدد كبير من الخوارج.
- لم يكن أي من الفئتين منسجمًا مع الفكر الإسماعيلي للحكام الجدد، وواجهت الدولة مقاومة قوية حتى من بعض الشيعة الإسماعيليين.
- علاوة على ذلك، كان هناك صراعات سياسية مع قبائل البربر وحكام مسلمون مجاورون، بالإضافة إلى صراعات مع البيزنطيين في صقلية وإيطاليا، التي ورثها الفاطميون عن أسلافهم في شمال إفريقيا.
- تأسست الدولة الفاطمية بسرعة وسعت لتصبح إمبراطورية نتيجة النشاط الدعوي الكبير الذي قام به الإسماعيليون.
غزو مصر
- أسست الدولة الفاطمية نفسها لأول مرة في تونس عام 303 هـ (909 ميلادي)، ومن أجل تعزيز قوتها، كان من الضروري لها إيجاد عاصمة أكثر مركزية من تونس.
- رغم المعوقات، لم يفقد الفاطميون رؤيتهم التوسعية نحو الشرق، حيث كانت السلطة العباسية، وكانت خطوة الغزو الأولى هي مصر.
- كان المهدي أول خليفة فاطمي، وقد أسس عاصمته في المهدية (تأسست عام 920) على الساحل الشرقي لتونس، وتبعه في الحكم القائم (934-946)، المنير (946-953)، والمعز (953-975).
- في عام 969، تحت حكم الخليفة المعز، تم إكمال المرحلة الأولى من التوسع الشرقي، حيث احتلت القوات الفاطمية وادي النيل وتقدمت عبر سيناء إلى فلسطين وجنوب سوريا.
- في جوار الفسطاط، المركز القديم للإدارة الإسلامية في مصر، بنى الفاطميون مدينة القاهرة التي أصبحت عاصمة إمبراطوريتهم، وشيد فيها مسجد وجامع الأزهر.
- على مدى أكثر من مئة عام، سعى الحكام الفاطميون في القاهرة لتحقيق أهدافهم، رغم أن التحديات والحروب على الحدود والمشاكل الداخلية في بعض الأحيان كانت تضطرهم إلى التفاوض مع السنة.
الخلافة الفاطمية
- كانت الخلافة الفاطمية تجسد نظامًا إمبراطوريًا وثوريًا في جميع الأبعاد، حيث كان الخليفة يحكم إمبراطورية واسعة وينتقل بها عن طريق الوسائل العسكرية والسياسية، وكان مركز القوة في مصر.
- شملت إمبراطوريتهم في أوجها شمال أفريقيا، صقلية، الساحل الشرقي للأفريقيا، سوريا، فلسطين، اليمن، والحجاز، مع المدينتين المقدستين مكة والمدينة.
- كان التحكم في هذه الأماكن واختبار القوة دلالة هامة على قيمة الحاكم المسلم، لأنها تمنحه مكانة دينية كبيرة، وتجعل الحج السنوي يجري لصالحه.
قوة الدولة الفاطمية
خلال مشاريعهم الخارجية، حقق الفاطميون نجاحات ملحوظة، أبرزها غزوهم لمصر، ولكنهم واجهوا انتكاسات متكررة في فلسطين وسوريا، حيث كان عليهم مواجهة خصوم محليين بالإضافة إلى هجمات قوية من البيزنطيين والأتراك والصليبيين الأوروبيين.
مهارة قادة الدولة الفاطمية
- أتاح التفوق الفاطمي في البحار بسبب معرفتهم بعلم الفلك والجغرافيا، حيث كانوا أيضًا رعاة بارزين للعلم والتعليم.
- أنشئت مراصد كبيرة في القاهرة، حيث تمكّن العلماء من متابعة حركة النجوم، ويعد ابن يونس واحدًا من أهم علماء الفلك في العالم الإسلامي.
- تحتفظ المتاحف اليوم بإسطرلاب تم تطويره في زمن الخليفة المعز، وهو أداة لقياس ارتفاع الشمس والنجوم.
- عُرف الخليفة المعز بشغفه بعلم الجغرافيا، حيث أشاد بخريطة مُصنّعة من الحرير تمثل خريطة العالم بالألوان الذهبية، كلفته 22000 دينار.
الفن في الدولة الفاطمية
أثرت الفخامة في البلاط الفاطمي على نهضة الفنون الزخرفية، مما جعل القاهرة مركزًا ثقافيًا بارزًا في العالم الإسلامي. كما أصبحت الفسطاط مركزاً أساسياً لإنتاج الفخار، والزجاج، والأعمال المعدنية، ونحت الصخور والعاج والخشب، وتعزيز إنتاج الأقمشة بتوجيهات من الحكومة في دلتا النيل.
سقوط الدولة الفاطمية
- في فترة حكم الخليفة الثامن المستنير (427-487 هـ / 1036-1094 ميلادي)، شعرت الدولة الفاطمية بتراجع سريع، فيما ارتفع نشاط دعوتهم خارج نطاق سيطرتهم.
- كالعديد من السلالات الإسلامية الأخرى، واجه الفاطميون التحدي المتزايد من الأتراك السلجوقيين، الذين أثبتوا بسرعة قوتهم في بلاد فارس وسائر الأراضي الشرقية؛ مما حولهم لقادة الخلافة العباسية.
- بعد فترة قصيرة من دخول الأوروبيين إلى بغداد عام 447 هـ / 1055 ميلادي، أبدوا نيتهم لشن حملة ضد الفاطميين في سوريا ومصر.
- مع ذلك، حالت المعارضة داخليًا في معسكر السلجوقي والنشاطات المؤيدة للفاطميين لارسلا السوري في العراق دون تنفيذ تلك الحملة.
- استفاد باسوري من الدعم المالي والعسكري المقدم من الفاطميين، مما ساهم في نجاح الدعوة الفاطمية في العراق ودعمه من أمراء آخرين.
خاتمة عن الدولة الفاطمية
وفي الختام، يمكن القول إن الدولة الفاطمية بلغت ذروتها في عهد الخليفة المستنير، حيث كانت دعوتهم نشطة بشكلٍ ملحوظ في العراق ومناطق متعددة من بلاد فارس.