مكان تجمع الناس في أرض المحشر بالدنيا
ستجتمع البشرية جمعاء في آخر الزمان في أرض المحشر، والتي تُعرف بأرض الشام. وقد ورد ذلك في مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. ففي أحد الأحاديث نجد مَيمونةَ مَوْلاةَ النبي تقول: “أَفْتِنا في بيت المقدس، فقال: أرض المحشر والمنشر، وائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره”.
كما روى أبو ذر الغفاري عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلّى؛ هو أرض المحشر والمنشر. وليأتينّ على الناس زمانٌ، ولقيد سوطٍ، أو قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس، خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعًا”.
ويمكن الاستدلال على أن الشام هي أرض المحشر من خلال رواية أبو حكيم بن معاوية، حيث أشار النبي -عليه الصلاة والسلام- بيده إلى الشام وقال: “هاهنا تُحشرون رُكبانًا ومشاةً وعلى وجوهكم يوم القيامة، وعلى أفواهكم الفِدامُ”. تُوفون سبعين أمةً، أنتم خيرها وأكرمها عند الله عز وجل.
يُشار إلى أن الحشر الموصوف سابقًا هو حشر الناس في الحياة الدنيا وليس بعد خروجهم من القبور، وأن النار المشار إليها ليست نار الآخرة.
لذا، يمكن استنتاج أن أرض المحشر في الحياة الدنيا هي بلاد الشام، وقد ذكرت العديد من الأدلة الشرعية ذلك.
مكان تجمع الناس في الآخرة
سوف يُحشَر الناس يوم القيامة على أرضٍ تختلف عن أرض الدنيا، مستدلين بذلك بقول الله -عز وجل-: “يوم تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسماواتُ وبرزوا لله الواحد القهار”. وقد بين النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض صفات تلك الأرض كما هو مروي في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، حيث قال: “يُحشر الناس يوم القيامة على أرضٍ بيضاء عَفْرَاء، كقرصة نقيِّ، ليس فيها معلمٌ لأحدٍ”.
وقد قيل إن “عفراء” تشير إلى البياض غير الناصع، وقيل إنها بياض يميل إلى الحمرة قليلاً، أو أنه بياض خالص شديد. أما “قرصة النقي”، فيفهم منها أنها تشبه الدقيق النقي من الغش والنخالة. ويشير قوله -صلى الله عليه وسلم- “ليس فيها معلم لأحدٍ” إلى استوائها كما ذكر الخطابي.
قال ابن عياض إن المقصود بعدم احتواء الأرض على أية علامة للإرشاد، مثل المباني أو الصخور، كما أشار ابن حجر إلى أنه في هذا إشارةً إلى انقطاع علاقتهم بأرض الدنيا. وذكر ابن حجر أيضًا أن أرض المحشر في الآخرة تتجاوز حجم الأرض الموجودة في الدنيا، حيث يعود ذلك إلى حكمة أن يكون المكان طاهرًا من المعاصي والظلم، لكي يتجلى الله -عز وجل- لعباده على أرض لم تشهد معصيةً.
لذا، فإن أرض المحشر في اليوم الآخر ليست هي الأرض الموجودة في الحياة الدنيا، بل هي مكان مختلف وتتميز بصفات محددة تم توضيحها.
أحداث الحشر
تشمل أحداث الحشر عدة جوانب، تتعلق بعضها بالدنيا والبعض الآخر بالآخرة، وسنستعرض تلك الأحداث كالتالي:
أحداث الحشر في الدنيا
ستخرج نارٌ من عدن، وتحشر جميع الناس في أرض المحشر؛ وهي علامة من العلامات التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال لأصحابه: “إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات”، فقام بذكر العلامات، ثم قال: “وآخر ذلك نارٌ تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم”.
أحداث الحشر في الآخرة
سيبعث الله -عز وجل- الناس جميعًا من قبورهم بعد أن يأمر بنفخة البعث، كما ورد في قوله -عز وجل-: “ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون”. وأول من يُبعَث هو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت ذلك في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة، حيث قال النبي: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع”.
الحشر نوعان؛ حشر في الحياة الدنيا وآخر في الحياة الآخرة، وقد تم توضيح كلا النوعين وما يحدث خلالهما.
أنواع الحشر
تتفرع أنواع الحشر إلى أربعة أنواع؛ حيث ينقسم الأول والثاني إلى الحياة الدنيا، فيما يكون الثالث والرابع في الحياة الآخرة، وسنوضح كل نوع كالتالي:
الحشر الأول
وهو ما ذكره الله -عز وجل- في سورة الحشر بقوله: “هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهُم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الألباب”.
الحشر الثاني
وهو الحشر الذي يُجمَع فيه الناس قبل يوم القيامة، أي آخر علامة من علامات الساعة الكبرى. وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه-، حيث قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “اطلع النبي علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم”.
الحشر الثالث
وهو جمع الناس ليوم القيامة بعد البعث، وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري وما رُوي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “تحشرون حفاةً عراةً غُرلاً”. فقالت عائشة: فقلتُ: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن يُهمهم ذاك”.
لذا، يمكن تصنيف الحشر إلى ثلاثة أنواع: الحشر الأول المذكور في سورة الحشر، الحشر الثاني الذي يُجمع فيه الناس قبل يوم القيامة، والحشر الثالث الذي يُجمع فيه الناس ليوم القيامة بعد البعث.