مفهوم المجاز وأهميته في أصول الفقه

يُعَرَّف المجاز في كتب أصول الفقه عند الأصوليين بأنه اللفظ الذي يُستخدم للدلالة على معنى غير معناه الأصلي في اللغة، وذلك بناءً على وجود قرينة تشير إلى أن المتكلم لا يقصد المعنى اللغوي الأصلي للفظ.

المجاز في أصول الفقه

تتباين آراء علماء الإسلام بشأن تقسيم الكلام إلى حقيقتين ومجاز، وقد ظهرت ثلاثة آراء رئيسية تتناول هذا الموضوع:

  • الرأي الأول: يرفض ابن تيمية وأبو إسحاق والإسفرائيني تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في اللغة العربية والقرآن الكريم.
  • الرأي الثاني: ينكر أبو الحسن الجزري وابن حامد وداود بن علي الظاهري وابنه أبي بكر وجود المجاز في القرآن، مع الاعتراف بوجوده في اللغة العربية.
  • الرأي الثالث: يرى القاضي أبي يعلي وابن عقيل وأبو الخطاب أن المجاز موجود في كل من القرآن الكريم واللغة العربية.

أقسام الحقيقة والمجاز

تقسم الحقيقة إلى ثلاثة أنواع:

1. ما يتعلق بالموضوعات اللغوية.

2. ما يتعلق بالموضوعات الشرعية.

3. ما يتعلق بالموضوعات العرفية.

أما المجاز في أصول الفقه، فإنه ينقسم إلى:

  • المجاز بالنقص: كما ورد في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، حيث حُذفت كلمة (أهل) بسبب وجود قرينة عقلية، إذ أن المعنى الأصلي هو: “واسأل أهل القرية”.
  • المجاز بالزيادة: مثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، حيث كانت الكاف زائدة لتأكيد المعنى النفي.
  • المجاز بالنقل: كما في استخدام كلمة (الغائط) للدلالة على معناه المجازي، حيث انتقل من معناه الأصلي بمعنى المنخفض من الأرض إلى المعنى الآخر وهو الخارج من الدبر.
  • المجاز بالاستعارة: كما في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}، حيث شُبِّه الجدار بشخصٍ له إرادة.

المجاز في القرآن الكريم

يتضمن القرآن الكريم العديد من الأمثلة عن المجاز، حيث تُستخدم ألفاظ وتراكيب لا تُفصح عن معانيها الأصلية. أصبح المعنى المجازي أكثر شيوعًا، بينما المعاني الحقيقية تُعتبر مهجورة. ومن هذه الأمثلة:

  • قوله تعالى: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ): استخدمت كلمة (الغائط) بمعناه المجازي للدلالة على قضاء الحاجة، بينما كان معناها الأصلي يشير إلى المكان المنخفض.
    • كان العرب قديمًا يتوجهون إلى مناطق منخفضة لقضاء حاجتهم بعيدًا عن أعين الناس.
  • قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ): حيث تدل كلمة (الرفث) في الأصل على الفحش والتعبيرات المتعلقة بالعلاقة الحميمة بين الأزواج، مما يفهم منه دعوة للتواصل في جو من الحب والرغبة.
    • وهو ما ذكره ابن عباس حول المعاني المتعلقة بالجماع.

يمكنكم أيضًا الاطلاع على:

أثر استخدام اللفظ على الحقيقة والمجاز

  • تعددت آراء العلماء في أصول الفقه حول إمكانية استخدام نفس اللفظ للدلالة على معاني حقيقية ومجازية في الوقت نفسه.
  • يُعتبر كل من المعاني الحقيقية والمجازية مرتبطًا بالحكم الشرعي.
  • يرى الحنفية ضرورة فصل المعنيين الحقيقي والمجازي عن الحكم، بينما يجادل جمهور الشافعية والمالكية والحنابلة بإمكانية وجودهما معًا.
  • أسفرت هذه الآراء عن تباينات في الأحكام الفقهية المستنبطة من القرآن الكريم، مثل:
    • قوله تعالى: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ): فقد حمل الحنفية الآية على المجاز، معتبرين أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، بينما رأى جمهور العلماء إمكانية الجمع بين المجاز والحقيقة.
    • وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ): حيث يُفهم معنى الخمر على أنها المسكر، ويعتبر الحنفية أن العقوبة تتعلق بالنبيذ المصنع من العنب، في حين كانت آراء عامة العلماء أكثر شمولاً.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *