الشخص الذي أسس أول مستشفى لعلاج الأمراض النفسية

الأمراض النفسية

تعرف الأمراض النفسية بأنها مجموعة من السلوكيات أو الأعراض غير الصحية التي قد تسبب اضطراباً في الوظائف النفسية للفرد. إذ تمثل هذه الأمراض خللاً غير عضوي وغير جسدي، رغم إمكانية ظهور أعراض لها بأشكال جسدية. من بين أكثر هذه الأمراض شيوعًا نذكر القلق والاكتئاب والتوتر والوسواس القهري، وغيرها الكثير. وقد اختلفت نظريات العلماء حول تفسير هذه الأمراض وأساليب علاجها عبر العصور، منذ الحضارات القديمة إلى العصور الوسطى وصولاً إلى العصر الحديث. كما قدم العلماء والأطباء المسلمون إضافات مهمة في مجال فهم الأمراض النفسية من خلال ربطها بالعمليات الدماغية، وقدموا أوصافاً دقيقة لأعراضها وطرق علاجها المحتملة.

أول مستشفى للأمراض النفسية

تأسس أول مستشفى يعنى بالأمراض النفسية في العصور الإسلامية المبكرة بمدينة دمشق عام 770 ميلادياً، وذلك على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، الذي وُلد في المدينة المنورة وتربى في دمشق. أبدى الوليد اهتمامًا كبيرًا بالإنجازات الحضارية في شتى المجالات مثل الطب والعمران، وهو ما أسهم في ازدهار الحضارة الإسلامية. أجرى الوليد العديد من الفتوحات وأنشأ عددًا من المستشفيات لتلبية احتياجات المرضى، بما في ذلك دعم خاص للمرضى ذوي الاحتياجات الخاصة مثل العميان والمصابين بالجذام. كما قامت الدولة في عهده بتوفير مرافق خاصة لكل مكفوف وإتاحة خدم خاص لكل معاق. وخصص مستشفى خاص لمرضى الجذام لفصلهم عن المجتمع، والذي تحول لاحقًا ليصبح مستشفى متخصصًا لعلاج الأمراض النفسية.

الهيكل التنظيمي للبيمارستان

تم إنشاء مستشفيات متخصصة في الأمراض النفسية لاحقًا في مستشفيات مرضى الجذام، والتي عرفت فيما بعد باسم البيمارستان. تعتبر هذه الخطوة من بين أهم الخطوات التي قام بها الخليفة الوليد بن عبد الملك في مسيرته نحو التقدم الحضاري. كان البيمارستان مجهزًا بكافة الوسائل اللازمة لتقديم العلاجات المناسبة، كما تم توفير أنشطة ترفيهية وعلاجية عالية المستوى. من بين هذه العلاجات كانت هناك أساليب مثل غسل المرضى بالماء في الصباح، والتنزه، وممارسة الأنشطة الرياضية. كما تم استخدام الموسيقى والعقاقير المهدئة، مثل الأفيون، لعلاج حالات الجنون. من بين الحالات التي استقبلها البيمارستان كانت الهذيان والاضطرابات العقلية، كما كان يُعتبر العشق من الأمراض النفسية في ذلك الوقت.

الأمراض النفسية عبر التاريخ

تناولت الحضارات العتيقة والحديثة الأمراض النفسية وكيفية تأثيرها على المرضى، وقدمت تفسيرات وعلاجات متنوعة لها من وجهات نظر متعددة.

الأمراض النفسية في الحضارات القديمة

في الأزمنة القديمة، كانت الأمراض النفسية تُعتبر رمزًا للشر، وكان يُعتقد أن السبب وراءها هو سيطرة الأرواح الشريرة أو غضب الآلهة. كانت العلاجات المستخدمة في تلك الفترة قاسية وغير إنسانية، وكان يتعرض المرضى للتعذيب الجسدي كعقوبة بسبب اعتقادهم بأنهم مُعاقَبون من قبل القوى العليا. اعتمدت طرق الرعاية على نبذ المرضى بدلاً من مساعدتهم، بينما كانت الحالات البسيطة تُعالج بطريقة بدائية. في القرن الخامس قبل الميلاد، قدم أبوقراط العديد من النظريات حول العقل وآلية عمل الدماغ، مشيرًا إلى أن الخلل النفسي قد ينشأ عن صدمات الدماغ، واقترح مجموعة من العلاجات مثل تغيير البيئة المحيطة بالمرضى وتعديل الذكريات المؤلمة.

الأمراض النفسية في الحضارات الأوروبية

شهدت أوروبا العديد من الأحداث التي أدت إلى تراجع العلوم، حيث أضعفت انهيارات الإمبراطوريات تطوير النظريات العلمية بشكل عام، والطب النفسي بشكل خاص. انتشرت الأفكار التي عزلت العلوم عن الحياة، مما تسبب في انتشار الجهل وأدت للعديد من الممارسات القاسية بحق المرضى النفسيين، الذين اعتُبروا تحت تأثير السحر الأسود. ومع بداية عصور النهضة الأوروبية، بدأت العلوم في الانتعاش مجددًا، وتمتاز بفهم إنساني أكبر تجاه المرضى النفسيين، حيث تحولت السجون التي كانت تُحتجز فيها المرضى إلى مؤسسات ومصحات نفسية مخصصة للرعاية والعلاج.

الأمراض النفسية في الحضارة الإسلامية

أدرك العلماء المسلمون أهمية العناية بالصحة النفسية والاجتماعية للمرضى النفسيين، فقاموا بإنشاء العديد من دور الرعاية النفسية التي أطلق عليها اسم البيمارستانات. كانت هذه المرافق تضم أطباء نفسيين وممرضين مؤهلين، ووفرت مجموعة من الطرق العلاجية التي تميزت بالرعاية الإنسانية اللطيفة. تضمنت هذه العلاجات الأدوية المهدئة، والأنشطة البدنية، بالإضافة إلى توفير بيئة هادئة تساعد على الشفاء. وكان يُخصص غرف خاصة للمرضى الذين يعانون من الأعراض العنيفة، حيث توفر في تلك الغرف جميع مقومات العلاج اللازمة لتحقيق الراحة والأمان.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *