اتَّقِ الله في كل الأوقات
دعوة للتقوى
قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لمُعاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما أرسله إلى اليمن: (اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتبع السّيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالق الناسَ بخلقٍ حسنٍ). تُعدّ التقوى من أسمى الأخلاق، وهي تُعبر عن الالتزام بما أمر الله -عزَّ وجل- به، والابتعاد عن ما نهى عنه. وقد توجّه الله بالحديث عن التقوى إلى عباده المؤمنين عبر العصور، حيث أرسل كل نبي ليدعو إلى تقوى الله. قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّـهَ). والأمر بالتقوى المذكور في الحديث شامل لكل ما يتضمنه من مراعاة حقوق الله وحقوق الناس، سواء كان الالتزام واجبًا أو مستحبًا، والابتعاد عن المحرمات والمكروهات الشرعية.
والتقوى تعني أيضًا الخوف من غضب الله، الذي قد يؤدي بالمسلم إلى النار. وقد أشار الله في كتابه الكريم إلى أنه -سبحانه- أهلٌ للتقوى، كما في قوله -تعالى- في سورة المدثر: (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ* فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ* وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ). كما ذُكرت التقوى في القرآن في سياقات متعددة، مثل قوله -تعالى- في سورة آل عمران: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، وأيضًا قوله في سورة البقرة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ) – أي احذروا عذاب النار.
في كل زمان ومكان
تعددت تفسيرات العلماء لجملة (حيثما كنت) التي ذكرها النبي، وسنستعرض معناها وفق عدة أبعاد:
- الأبعاد الزمنية: الالتزام بتقوى الله في كل الأوقات لضمان الاستقامة.
- البعد السري: ضرورة الالتزام بالتقوى في السر والعلانية، مع مراعاة أن الله يعين على ذلك، كما أتى في فاتحة سورة النساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…).
- البعد المكاني: الالتزام بتقوى الله في كل الأمكنة.
- البعد الحياتي: الالتزام بالتقوى في جميع الأوضاع مهما كانت.
معاني التقوى الحقيقية
تخرج التقوى من قلب المؤمن، وتبدأ برفض كل معصية والتوجه بالعبادة لله، وتظهر في سلوكياته من خلال الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه. ويعدّ مفهوم التقوى أساسيًا جدًا، حيث يتمثل في المعرفة والوعي بالله، يليها تطبيق هذه المعرفة في الحياة اليومية. يصف ابن عباس -رضي الله عنه- كمال التقوى بكونها: “أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكَر فلا يُنسى، وأن يُشكَرَ فلا يُكفَر”. وتكتمل التقوى حين تجمع في صفاتها بمسارات محددة:
- أولاً: أداء الواجبات.
- ثانياً: الابتعاد عن المحرمات.
- ثالثاً: تجنب الشبهات.
- رابعاً: القيام بالمستحبّات.
- خامساً: ترك المكروهات، وبهذا يصل المسلم إلى أعلى مراتب التقوى.
ثمار التقوى
تتعدد ثمار التقوى في الحياة الدنيا والآخرة، ومن أهمها:
- أولاً: تقوى الله تفتح أبواب رحمته كما ذكر في القرآن: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ).
- ثانياً: تقوى الله تُزيد من معية الله للعبد في أعماله.
- ثالثاً: توفير الفهم والتمييز بين الحق والباطل.
- رابعاً: الوعد بفيض من المغفرة للمتقين.
- خامساً: جلب البركة في المال والعمل.
- سادساً: تيسير الأمور الصعبة.
- سابعاً: تخفيف الهموم وزيادة الرزق.
- ثامناً: قبول الأعمال المخلصة وتحسين الأحوال.
- تاسعاً: حصانة المؤمن من كيد الأعداء.
- عاشراً: ميزان كرامة المسلم يوم القيامة.
- الحادي عشر: النجاة يوم الحساب.
- الثاني عشر: الاستجابة لمحبّة الله للمؤمن.
- الثالث عشر: مساعدة المؤمن في تحصيل العلم النافع.