أين وكيف تطور فن الموشحات؟

أصول الموشحات

تُعتبر الموشحات فنًّا أدبيًّا متميزًا نشأ في الأندلس خلال القرن الثالث الهجري. ومع ظهور هذا الفن، كانت بداياته غير واضحة، مما جعل من الصعب تحديد مبتكره الأول أو الوقت الدقيق لظهوره. وقد أشار ابن بسام إلى أن محمد بن محمود القبري هو أول من أبدع في هذا الفن، بينما ذكر ابن خلدون أن المخترع الأول للموشحات هو مقدم بن معافي الفريري، وذلك في فترة حكم الأمير عبدالله بن محمد المرواني.

أجمع المؤرخون الأدبيون على أن أهل الأندلس كانوا روادًا في ابتكار فن الموشحات. فقد وضعوا قواعده وأصوله، مما سهل الطريق أمام الذين جاؤوا بعدهم للسير على نهجهم. فقد شهد الشعر الأندلسي ازدهارًا كبيرًا في جميع مجالاته. تأثرت هذه النهضة الشعرية بتقليد شعراء المشرق، بالإضافة إلى الإبداع الفريد في وصف الطبيعة في بلادهم. حيث أدى ذلك إلى ظهور أساليب جديدة جعلت الشاعر الأندلسي يسعى نحو التجديد والتحرر من الأوزان القديمة التي عجزت عن احتواء عواطفهم، مما أفضى إلى الحاجة إلى فن شعري جديد يعبر عن هذه العواطف فظهرت الموشحات.

أصل الموشحات

حظي أصل الموشحات باهتمام بالغ من قبل الباحثين الدارسين لهذا الفن، حيث تناول كل من الباحثين العرب والمستشرقين نشأتها وأصولها، وتمكنت هذه الآراء من تشكيل اتجاهات متنوعة في الدراسات. وقد أبرزت هذه الاتجاهات عدة آراء متباينة كما يلي:

  • الاتجاه الأعجمي: رأى أصحابه أن الموشح جاء كتقليد للشعر الأوروبي القديم الذي كان معروفة عند الإسبان قبل وصول العرب إلى الأندلس. وأشاروا إلى عدة أدلة منها:
    • الخرجات الأعجمية في بعض الموشحات، التي تعكس تقليد الغناء الشعبي الإسباني.
    • خروج العديد من الموشحات عن الأوزان التقليدية للقصيدة العربية التي تلتزم بأوزان الخليل بن أحمد، واعتمادها على أوزان الشعر الأوروبي القديم.
    • تغزل النساء بالرجال، وهو نمط مغاير لما عُرف في القصيدة العربية التقليدية.
  • الاتجاه المشرقي: اعتبر هذا الفريق أن بداية ظهور الموشحات كانت في الشرق، مدعمين رأيهم بما يلي:
    • وجود محاولات في المشرق للخروج عن وحدة الوزن والقافية، كما يظهر في فن التسميط الذي نُسب إلى الشاعر امرؤ القيس في العصر الجاهلي، والذي يعتبره البعض البداية الأولى لظهور الموشح في المشرق، لينتقل بعد ذلك إلى الشكل النهائي في الأندلس.
    • نسب البعض الموشحة الشهيرة “أيها الساقي” إلى ابن المعتز، وهو شاعر عباسي من الشرق توفي عام 295 هـ، مما اعتبر دليلاً على نشوء الموشح في المشرق قبل الأندلس.
    • تاريخ الغناء والموسيقى، الذي كان معروفًا في المشرق قبل الأندلس، والذي ساهم فيه زرياب بإحداث تحول نوعي في الموسيقى، مما أدى إلى نشوء مدرسة موسيقية أندلسية شهيرة.
  • الاتجاه الأندلسي: أكّد أنصار هذا الاتجاه على أن الموشح نشأ بشكل كامل في الأندلس، حيث ابتكره الأندلسيون وتفوقوا في نظم الشعر فيه، حتى أصبح الموشح علامة مميزة للأدب الأندلسي. وقد قدموا عدة براهين لدعم رأيهم منها:
    • تصريحات باحثي الشعر العربي حول استقلالية فن الموشحات من قبل شعراء الأندلس.
    • مناخ الطبيعة الأندلسية الذي شجع الشعراء على الابتكار في هذا الفن.
    • تأثر الشعراء الأندلسيين بالغناء الإسباني، الذي لعب دورًا رئيسيًا في ظهور فن الموشحات بالأندلس.
    • وصول الغناء المشرقي إلى الأندلس عبر زرياب وتأثر الشعراء المحليين به.

عوامل ظهور الموشحات

كانت الأندلس تتمتع بطبيعة ساحرة ساهمت بشكل كبير في نشوء فن الموشحات. إضافةً إلى ذلك، فقد انتشر الغناء واللهو بشكل واسع في مجالس الحكام والأمراء، مما أسهم في تجسيد الشخصية الأندلسية التي تتمتع بحس فني واستقلال أدبي، عاكسةً ما كانت تعيشه البيئة الأندلسية من ترف وتحضر. وقد كان لظهور زرياب ودوره الفاعل أثر كبير في ازدهار هذا الفن، فقد شعر الكثيرون بجمود القصائد العربية التقليدية مقارنة بالألحان المتنوعة. وبذلك، أصبحت الحاجة ملحة لابتكار فن شعري جديد يتميز بتنوع الأوزان وكثرة القوافي، لينسجم مع الموسيقى والألحان المتعددة المختلفة.

إضافةً إلى ما سبق، ظهرت ظاهرة اجتماعية تمثلت في اختلاط الثقافتين الإسبانية والعربية، مما نتج عنه اندماج شعبي ولغة جديدة. كانت الموشحات مكونة من العربية الفصحى مع إدخال ألفاظ عامية أندلسية في الخرجة، مما ساهم في اثراء هذا الفن.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *