أعمال الرسول عليه الصلاة والسلام البارزة
كان النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- مثالًا للعمل الجاد من أجل الله -تعالى- ودينه، حيث جسّد إنسانية القائد المخلص الذي يضطلع بواجباته تجاه أسرته وأصحابه. كان مُبلغًا ومُجاهِدًا، ولم يكن يعرف الكسل، مما ساعده على تنفيذ العديد من المهمات في فترة زمنية قصيرة. فقد نظم المجتمع بين المسلمين وغيرهم، وأسس المسجد ليكون مكانًا يجتمع فيه المسلمون لأداء عباداتهم وأنشطتهم الدعوية، بالإضافة إلى تعليمهم ما يُنزَل عليه من وحي. ومن أبرز الأعمال التي قام بها النبي -عليه الصلاة والسلام-:
تبليغ الرسالة
تولى النبي -عليه الصلاة والسلام- مهمة تبليغ رسالة ربه بدقة وأمانة، مُعصومًا من أي كذب أو كتمان. فقد شهدت الأمة على ذلك، وجاء في القرآن الكريم لتسليط الضوء على حقيقة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يملك لنفسه ضرًا أو نفعًا، ولا يعلم الغيب، حيث قال تعالى على لسان نبيه: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). فقد كان النبي عبدًا يُبشر المؤمنين، ويُنذر العاصين، ليبين أنهم جميعًا من نفس واحدة، وجب عليهم الاستسلام لخالقهم والإيمان به، قال تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ). فمهمة الرسل هي نشر دين الله وبيان شرعه، ولذمتهم البراءة من ذلك.
تعزيز مفهوم الوحدانية
قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- للعرب مفهوماً جديداً للوحدانية عبر إثبات وجود الله -تعالى- في الخلق والوجود وقوانين الطبيعة. كان هذا التوحيد مفهومان جديدان على العرب، يقوم على فكرة أن لا إله سواه ولا رب غيره، ولا يجوز لأحد أن يُعبد سواه.
تأصيل الحقوق الإنسانية
جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ليؤكد على حقوق جميع البشر، مُزيلًا الفوارق بين الأفراد، لا سيما بين الرجال والنساء، حيث قال تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً). كما أقر حقوق المرأة التي كانت مسلوبة، كحق المساواة والعمل، حيث قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وكذلك حقها في المشاركة السياسية والاجتماعية.
ثبّت النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضًا حقوق الأطفال في الرعاية والتنشئة الصالحة، وحق الحصول على التعليم ليتمكنوا من التعايش ضمن ضوابط الإسلام، ويكونوا صالحين في مجتمعاتهم. كما أقرّ حق المساواة بين جميع فئات المجتمع، مؤمنًا بأن التفاضل يكون بالدين والتقوى، كما قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وسعى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى إزالة الفوارق العنصرية بين الصحابة، فاختار بلالاً مؤذنًا رغم كونه عبدًا، ومن هنا استُحدث نظام الحج الذي جمع فيه ألوان والأفراد من مختلف الطبقات لأداء هذه العبادة.
إنهاء العصبية بين الأوس والخزرج
عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- على معالجة العصبية القبلية التي كانت سائدة في نفوس العرب. فقد أصبح المرء يدافع عن الحق حتى لو كان ضد أقاربه، وأنهى العصبية بين قبيلتي الأوس والخزرج. كان النظام الأساسي للإسلام يقوم على المواطنة، مُعتبرًا الهجرة من الباطل إلى الحق وليس لصالح العصبية القبلية، حيث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا). وأفاد بإقرار نظام الشورى لتقوية المجتمع والمصلحة العامة.
مكافحة الانحراف الاجتماعي والاقتصادي
نجح النبي -عليه الصلاة والسلام- في لم شمل الأمة تحت راية التوحيد، بغض النظر عن الجنسيات والألوان، وجعلهم مثال الأخوة المتحابين يتعاونون مع بعضهم، متبرعين بالأغنياء بما يحتاجه الفقراء. وأسهم في القضاء على جميع أشكال الانحراف الاجتماعي والاقتصادي والديني، مُعتمدًا على القرآن والسنة كمرجع رئيسي.
تربية جيل الصحابة
ربّى النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة تربية متميزة، مما ظهر في مواقفهم وحياتهم. فهم الجيل الذي اختاره الله -تعالى- لنصرة دينه ونشر دعوته. ومن ثم، كانوا مُحبين للعلم ومقدرين لقيمته، يُظهر ذلك في اختيار زيد بن ثابت -رضي الله عنه- الذي استغل مهاراته لخدمة السنة والدين. كما أوفده النبي -عليه الصلاة والسلام- لتعلم اللغات الأجنبية نظراً لأهمية ذلك في نقل الرسالة. أسس النبي لهم تقاليد العمل الاجتماعي والتعاون في الجهاد، مما ساهم في نشر الإسلام في مختلف أنحاء الأراض.
تأسيس دولة للإسلام
أقام النبي -عليه الصلاة والسلام- دولة الإسلام في المدينة المنورة استنادًا إلى مفهومي الدين والدولة. كان هو القائد والمشرف، مُطبقًا لأحكام الشرع ومراعيًا لمصالح المجتمع. استندت الدولة إلى أسس قوية مثل بناء المسجد، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والمعاهدات مع اليهود، بالإضافة إلى نظام اقتصادي خاص. وبذلك عرف الإسلام تطوراته وأصل أنظمته بعيداً عن الأعراف الجاهلية.
بناء الاقتصاد الإسلامي
عندما وصل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، وجد أن اليهود يسيطرون على أسواقها، ويُمارسون الربا والاحتكار. فأسس سوقًا خاصًا بالمسلمين على أسس إسلامية، مما شجع الناس على ترك الأسواق اليهودية. كما أسهم في تقسيم الأراضي بين المهاجرين والأنصار، مُعززًا فكرة العمل والإنتاج. وحثّ على الزراعة، مما أدّى إلى ازدهار الاقتصاد الإسلامي في المدينة.
إنشاء القوة العسكرية المعاصرة
كان لبناء جيش من المسلمين أهمية كبيرة، لحماية الدولة الإسلامية والدفاع عنها. وقد عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- على تدريب وتجهيز المسلمين للقتال، مُعينًا في ذلك بعض الصحابة لاكتساب المهارات العسكرية المتطورة.
أعمال الرسول في المدينة المنورة
بناء المسجد النبوي
بدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- فور وصوله إلى المدينة ببناء المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته، حيث كان المكان لملك غلامين يتيمين. لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- رفض هديتهما واشتراه بثمنه. كان المسجد مبنياً من اللبن، وأعمدة مصنوعة من جذوع النخل، وكان له سقف من جريد النخل. ساهم النبي بنفسه في بناء المسجد، الذي كان مركزاً للاجتماعات والتعارف والشورى والتعلم. لذا كان المسجد بمثابة مؤسسة تربوية وقاعدة للسلطة وإدارة شؤون المسلمين.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
آخى النبي -عليه الصلاة والسلام- بين المهاجرين وأنصارهم ليعزز وحدة المسلمين وقوة روابطهم. كان الأنصار يفضلون إخوتهم المهاجرين على أنفسهم رغم فقرهم، كما قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ). وقد جاء ذلك في سياق بناء المجتمع المتماسك وتعزيز الترابط بين فئات المجتمع.
كتابة وثيقة تأسيسية
لعبت الوثيقة التي تمت كتابتها بين النبي -عليه الصلاة والسلام- والمجتمع الإسلامي وغيرهم من اليهود دورًا حيويًا في إدارة شؤون الدولة. ضمنت الوثيقة الحقوق والالتزامات بين جميع الأطراف، مُحددة علاقاتهم، وحقوقهم في الأمن والحرية، مُعززة لمبادئ التعاون والتسامح. كانت هذه الوثيقة بمثابة الدستور للمجتمع الجديد، حيث وضعت الأسس التي تعتمد على الوحدة والتعاون بعيداً عن التعصب.