الفلسفة
الفلسفة (بالإنجليزية: Philosophy) كلمة ذات جذور يونانية، تتكون من مقطعين؛ الأول هو (Philos) الذي يعني “الحب” ويعبر عن الإقبال، والثاني هو (sophia) الذي يعني “الحكمة” ويدل على أنواع المعرفة المختلفة. لذا، تُعبر كلمة الفلسفة عن حب الحكمة، والشخص الذي يمارس الفلسفة يُعرف بالفيلسوف. أما التعريف الاصطلاحي للفلسفة، فقد اختلف باختلاف العصور والمذاهب الفلسفية. فقد اعتبر سقراط الفلسفة دراسة الحياة الأخلاقية، بينما رأى شيشرون أنها علم يثري حياة الإنسان من خلال تقديم قواعد للسلوك وفهم للحق والواجب. وفي المقابل، اعتبر كل من أفلاطون وأرسطو الفلسفة دراسة للكون ونواحي الحياة الإنسانية كافة. من جهة أخرى، اعتبر الفلاسفة المعاصرون مثل ويليام جيمس (1842-1910م) أن الفلسفة تعبير عن التفكير في تحقيق المنافع العلمية، بينما اهتم ماركس بتغيير العالم وتحسين الأنظمة الحالية والتخلص من مظاهر الظلم والخرافات والطغيان.
نشأة الفلسفة
نشأت الفلسفة لأول مرة بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد في مدن الحضارة اليونانية، ثم انتقلت إلى المدن الواقعة في الساحل الغربي لآسيا الصغرى، تلتها ظهورها في إيطاليا الجنوبية، ثم في صقلية، وصولاً إلى مدينة أثينا. يدعم إجماع المؤرخين بأن نشأة الفلسفة كانت جزءاً من العقلانية اليونانية، كما أن التراث الفلسفي اليوناني هو الوحيد القديم الذي وصلنا بشكل واضح، بخلاف التراث الشرقي القديم الذي اندثر مع مرور الزمن، مما يجعل من المستحيل العثور على فلسفات سابقة للفلسفة اليونانية.
الفكر اليوناني قبل ظهور الفلسفة
تميز الفكر اليوناني قبل ظهور الفلسفة بأنه أسطوري، يعتمد على السرد الخيالي، حيث تمحور حول الكون والطبيعة والمعتقدات الإنسانية. تضمن هذا التفكير المغامرات والمعاناة والصراع بين الإنسان والقوى المختلفة. وخلال تلك الفترة، كانت الأُسطورة، أو ما يُعرف ب(خطاب الميثوس)، هي الفكر السائد في اليونان، وافتقر هذا الفكر للعقلانية المنهجية. مع مرور الوقت، انتقل الفكر اليوناني من التقليد الشفهي إلى تجديد أنواع الخطابات، مما ساهم في الفصل بين التفكير الأسطوري (الميثوس) والتفكير العقلي (اللوغوس). تعزز ذلك بظهور العلوم الرياضية والنظم النقدية، وتطور التجارة والملاحة، فمع بداية القرن السادس قبل الميلاد، بدأت بوادر الحكمة تظهر مع شخصية طاليس، والذي تبعه إصلاحات كليستين في القرن التالي، والتي لعبت دوراً مهماً في تأسيس المؤسسات السياسية وتنظيم الحياة الاجتماعية في الحضارة اليونانية.
بداية ظهور الفلسفة
مع نشوء المدينة في الحضارة اليونانية، واكب ذلك زيادة القضايا والمسائل العامة بين الناس بشكل لم يكن ممكناً حسمه بسهولة. أصبح من الضروري إجراء مناظرات علنية ونقاشات مدعمة بالأدلة حول القرارات المتعلقة بالمصلحة العامة. كما أُعطي لكل مواطن الحق في التعبير عن آرائه بشأن قضايا الشأن العام، مما أسس لنظام سياسي ديمقراطي ضمن الدولة المدينة. تجدر الإشارة إلى أن هذه العوامل وغيرها أسهمت في نشأة الفلسفة التي توزعت من القرن السابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع قبل الميلاد.
بداية التفلسف (ما قبل سقراط)
كانت البداية الأولى لممارسة الفعل الفلسفي اليوناني لدى الحكماء الطبيعيين ما قبل سقراط، ويُعتبر طاليس الأكثر شهرة بينهم، حيث فسر أصل الوجود بالماء واعتبره المبدأ الأول لتكون الطبيعة. كان لديه مقولة شهيرة تقول: “العالم يأتي من المحيط ويعود إلى المحيط”. كذلك، يعد هيراقليطس من الأحكماء البارزين، إذ قال إن أصل العالم من النار، بينما اكتشف أناكساغوراس العلة المحركة، وهي العقل. وأشار أنكسيمانس إلى أن أصل العالم هو الهواء. من الجدير بالذكر أن هذه الآراء تمثل حَدْساً فلسفياً خالياً من الخيال والخرافة، واستمرت في الإسهام بشكل كبير في تفسير أصل الطبيعة والوجود.
فلسفة سقراط وما بعدها
تركز مفهوم الفلسفة خلال عصر سقراط على فهم الإنسان ومعرفة الحقيقة والعَدل والخير، وذلك بناءً على تصورات عقلية محضة، بعيدة عن الحواس. بعد ذلك، برز أفلاطون، الذي تناول في مواضيعه الفلسفية جوهر الأشياء وحقائقها الثابتة. كانت الفلسفة لديه تمثل معرفة الخير وفهم حقائق الأشياء. بينما تعتبر فلسفة أرسطو (تلميذ أفلاطون) معرفة المبادئ الأولى التي تفسر طبيعة الأشياء. على الرغم من ذلك، تجمدت موضوعات الفلسفة ولم تظهر اجتهادات فلسفية جديدة بعد ذلك.
أسباب ظهور الفلسفة اليونانية
تتعدد الأسباب والعوامل التي ساهمت في بروز الفلسفة اليونانية، ومن أبرز هذه الأسباب:
- التطور الكبير الذي أحرزته الحضارات السابقة، مثل حضارة الرافدين ومصر والفينيقيين، حيث ساهمت انجازاتها المتنوعة في ظهور الفلسفة اليونانية في مناطق قريبة منها.
- الموقع الجغرافي الاستراتيجي لحضارة اليونان، بما في ذلك جزيرة مالطا التابعة لها، حيث تقع عند مصبات الأنهار ونهايات الطرق التجارية، إضافة إلى مناخها الملائم. كما أن بعض سكانها انتقلوا إلى مدن بعيدة مثل الحضارة المصرية والبابليّة، حيث تعلموا مختلف العلوم مثل الهندسة والفلك ثم نقلوها إلى حضارتهم.
- العوامل الاقتصادية والسياسية والفكرية، والتي تجسدت في الاستقرار السياسي وإبرام عدة معاهدات اتفاقيات عززت حرية المواطنين من الخوف السياسي وأسهمت في تفرغهم للثقافة والفنون. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد ساهم الثراء في خلق فراغ كبير أتاح للعبيد القيام بالأعمال اليومية، بالإضافة إلى تأسيس نخب ثقافية ساهمت في تعزيز التسامح الفكري.