تاريخ علم البديع عند ابن المعتز
يظهر موقف ابن المعتز في تأليفه لكتاب “البديع” كمدافع عن الأدب القديم، مسلطًا الضوء على أن فن البديع هو فن قديم الجذور. يشير إلى أن استخدام الأساليب البديعية في شعر المحدثين لا يعني أنهم هم من أبدعوا هذا الفن. بل، يُعتبر البديع جزءًا من التراث الأدبي الذي أسهم فيه القدماء بشكلٍ كبير.
هناك وجهة نظر أخرى تفيد بأن ابن المعتز عندما ألف كتابه كان يميل نحو الشعر المحدث. ولكن هذا الرأي يفتقر إلى القوة، إذ يُظهر ابن المعتز من خلال مناقشته لكثرة استخدام البديع في شعر المحدثين مساندته لأسلوب القدماء، مع مراعاة ندرته في التعبير. تصرفه لا يعني الانحياز التام للقديم، بل أنه أسدى العدل لكلا التيارين، متضمناً أشعاراً من كليهما، مع إعادة تأكيده على عدم اعتبار البديع فنًا حديثًا.
فهم البديع عند ابن المعتز
حدد ابن المعتز معالم فن البديع، موضحًا سبل تحسين الأسلوب الأدبي، حيث يعتقد أن عناصر الجمال لا تتقيد بحدود. تتمثل البراعة في اختيار الألفاظ والمعاني بعناية وتنسيقها بشكلٍ يجسد لوحة فنية تحت عنوان الجمالية والشعرية، حيث يمكن أن تُعزى هذه الجمالية إما إلى موسيقى الألفاظ أو إلى إبداع التعبير عن المعنى بطريقة سلسة وغير مصطنعة.
منهج ابن المعتز في تأليف كتاب البديع
قسم ابن المعتز كتابه “البديع” إلى بابين رئيسيين، وناقش كل قسم من خلال تقديم العديد من الشواهد. ولم يكتفِ بإيراد الأمثلة الجيدة فقط بل أشار أيضًا إلى الأمثلة السلبية ليتم التعرف عليها وتجنبها. البابان هما:
- باب أبواب البديع.
- باب محاسن الكلام.
أنواع البديع حسب ابن المعتز
أشار ابن المعتز في كتابه إلى خمسة أشكال من البديع، وهي كما يلي:
- الاستعارة: تُعتبر في مقدمة الأشكال البديعية لكونها من أكثر الأساليب تأثيرًا في الأدب القديم والمحدث، مما يدل على رؤية ابن المعتز الحادة لمدى تأثير الصورة الشعرية.
- التجنيس
- المطابقة
- ردّ الأعجاز على ما تقدمه
- المذهب الكلامي: يُنسب ابن المعتز هذا الشكل إلى الجاحظ، معتبرًا إياه نوعًا يتسم بالتكلف، لذا لم يظهر منه شيء في القرآن.
محاسن الكلام والشعر في البديع عند ابن المعتز
حدد ابن المعتز في كتابه “البديع” خمس محاسن من محاسن الكلام، مشيرًا إلى عدم إمكانية الإحاطة الكاملة بها بشكل اختياري، وليس بسبب نقص في المعرفة. وهذه المحاسن تشمل:
- الالتفات: وهو انتقال المتحدث من مخاطبة إلى إخبار، أو من إخبار إلى مخاطبة، مما يعكس التنوع الدلالي.
- الاعتراض: وهو إدخال كلام ضمن كلام آخر لم يكتمل بعد، ثم العودة لإتمام المعنى في عبارة واحدة.
- الرجوع: أي التعبير عن فكرة ثم الرجوع عنها.
- حسن الخروج: ويعني القدرة على الانتقال بين المعاني بسلاسة.
البديع ونقد الشعر عند ابن المعتز
يعد فن البديع أحد عناصر البلاغة الأساسية في الشعر، فهو يضيف له رونقًا وجمالية. ولكنّ نجاحه متوقفٌ على “سلامته من التكلف وخلوه من العيوب”. عندما يصدر البديع عن طبيعة سليمة، يصبح بديعًا وجميلًا.
هناك سببين أساسيين وراء ظهور هذا المعيار:
- عدم تكلف القدماء في استخدام البديع: حيث كان تركيزهم على المعنى وصياغته بشكل جميل، وهو ما أكده ابن المعتز عندما أشار إلى قراءته لأشعار بعض القدماء التي احتوت على البديع في بيوت قليلة.
- بروز مذهب البديع في القرن الثاني على أيدي المحدثين والمولدين: الذين قد أسرفوا في استخدام البديع بشكل مبالغ فيه، مما أوقعهم في أخطاء فادحة، حيث أن البديع ليس مجرد زينة، بل يمثل عنصرًا جماليًا يُحسن الأسلوب عند استخدامه بشكل معقول.