تتطلب الكائنات الحية المختلفة هواءً نقياً لتنفسه والاستمرار في حياتها الطبيعية. ومع ذلك، أدى تلوث الهواء في العصر الحديث إلى أضرار جسيمة للبشر والحيوانات والنباتات. لذا، فإن هذا البحث يهدف إلى دراسة ظاهرة تلوث الهواء، مع تسليط الضوء على أسبابها ومصادرها.
تلوث الهواء
ينتج تلوث الهواء عن انبعاثات متنوعة من الغازات والمواد الصلبة الدقيقة والسوائل التي تتسرب إلى الغلاف الجوي بمعدلات مرتفعة، مما يؤدي إلى فشل البيئة في استيعابها أو تخفيفها أو امتصاصها.
يمكن أن يسبب وجود هذه المواد في الهواء العديد من الأمراض، إلى جانب المشكلات الاقتصادية والتأثيرات السلبية على جمال البيئة.
تعتبر ظاهرة تلوث الهواء قديمة، حيث تعود إلى العصور الوسطى. فقد أدى تصاعد الدخان الناتج عن احتراق الفحم في لندن إلى مشاكل خطيرة، مما دفع الملك إدوارد الأول إلى حظر استخدامه في الأفران الجيرية في عام 1307 ميلادي.
حددت حوادث مأساوية أخرى التلوث الهوائي، مثل الكارثة البلجيكية عام 1930 ميلادي، التي أودت بحياة 36 شخصًا في خمسة أيام بسبب تفاعل غاز ثاني أكسيد الكبريت مع جزيئات دقيقة وأجواء رطبة. وفي عام 1948، تكرر هذا المشهد في بنسلفانيا، حيث توفي 20 شخصًا في فترة زمنية مماثلة.
مصادر تلوث الهواء
يُفهم تلوث الهواء على أنه نتيجة للأنشطة البشرية والطبيعية. وفيما يلي شرح للحالتين:
مصادر بشرية
تشكل المصادر البشرية الجزء الأكبر من تلوث الهواء الحالي. ومن هذه المصادر:
احتراق الوقود الأحفوري
يساهم حرق النفط والفحم، المعروف بالوقود الأحفوري، في تلوث الهواء. تستخدم هذه الموارد في محطات توليد الطاقة والمصانع، وكذلك في الأفران ومحارق النفايات.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المدافئ التي تحتاج للوقود على احتراق هذه المواد. وتفيد التقارير أن الانبعاثات الناتجة من هذه الأنشطة تمثل 21% من الغازات الدفيئة الصادرة عن الصناعات في أمريكا.
كشفت دراسة في عام 2013 أن وسائل النقل مسؤولة عن أكثر من نصف كميات أول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين، ونحو ربع كميات الهيدروكربونات المنبعثة في الهواء بالولايات المتحدة.
تربية المواشي والزراعة
تُنتج الأنشطة الزراعية وتربية الماشية غازات دفيئة، حيث ينتج عن المواشي غاز الميثان، ويترتب على إزالة الغابات توفير مساحات للرعي، مما يؤثر سلباً على قدرة الأشجار على استهلاك الكربون وتنقية الهواء.
وذكرت لجنة التغيرات المناخية الدولية أن الزراعة تمثل 24% من انبعاثات الغازات الدفيئة سنويًا، دون احتساب الكربون الذي يتم إزالته من الغلاف الجوي بواسطة النظام البيئي.
النفايات
تعتبر مكبات النفايات مصدرًا رئيسيًا لغاز الميثان، حيث يتزايد إنتاج النفايات بشكل متناسب مع زيادة عدد السكان، مما يتطلب إنشاء المزيد من مواقع دفن النفايات بعيدًا عن المناطق السكنية.
يستطيع كوكبنا التنظيم الذاتي، لكن التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية يسهم في تهديد توازن النظام البيئي، مما يؤدي إلى مشكلات مثل الأمطار الحمضية والإصابات بالأمراض.
مصادر طبيعية
توجد جزيئات طبيعية مثل الغبار وملح البحر وحبوب اللقاح، إلى جانب بقايا الكائنات الحية والنباتات، تساهم أيضًا في تلوث الهواء.
تطلق الانبعاثات البركانية كميات كبيرة من الغازات والجزيئات الضارة إلى الغلاف الجوي، كما حدث في إندونيسيا عام 1815 عندما انفجر بركان تامبورا، مما أدى إلى انبعاث حوالي 100 مليار طن من المواد البركانية.
وكانت هناك انبعاثات بركانية أخرى، مثل انفجار بركان إتنا، الذي نتج عنه انطلاق ثلاثة آلاف طن من غاز ثاني أكسيد الكبريت يوميًا، وبلغت الكميات أثناء النشاط البركاني نحو عشرة آلاف طن.
تنتج الغابات المحترقة وأيضًا المناطق الريفية مواد دقيقة تلوث الهواء. كما تصدر الصواعق كميات ضخمة من أكاسيد النيتروجين، في حين تساهم الطحالب في إطلاق هيدروجين كبريتي في المحيطات.
أنواع الملوثات
يتواجد نوعان من الملوثات، وفيما يلي التفاصيل:
ملوثات خارجية للهواء
يمكن تصنيف هذه الملوثات إلى نوعين:
ملوثات أولية
تنبعث هذه الملوثات مباشرة من مصادرها إلى الهواء الخارجي، ومن أبرزها:
- الأكاسيد الكبريتية.
- الأكاسيد النيتروجينية.
- أول أكسيد الكربون.
- ثاني أكسيد الكربون.
- المركبات العضوية المتطايرة.
- الأمونيا.
- المعادن السامة مثل الحديد والكادميوم والزرنيخ والنحاس.
- كلوروفلوروكربون.
- الروائح الكريهة المنبعثة من القمامة والمجاري والصناعات المختلفة.
- الملوثات الإشعاعية الناتجة عن التفجيرات النووية والحروب.
- الجسيمات الصلبة أو السائلة المحملة بالغازات، مثل تلك الناتجة عن البراكين أو حرائق الغابات.
ملوثات ثانوية
لا تنتشر هذه الملوثات بشكل مباشر في الغلاف الجوي، بل تتكون نتيجة تفاعل الملوثات الأولية. ومن أمثلتها:
- الجسيمات الناتجة عن تفاعل الملوثات الغازية الأولية في ظروف الضباب الدخاني الكيميائي الضوئي، مثل الخليط الناتج من ثاني أكسيد الكبريت والضباب الناتج عن احتراق الفحم.
- الضباب الدخاني الجديد الذي يتكون نتيجة تفاعل المركبات والانبعاثات الصناعية تحت تأثير أشعة الشمس.
- طبقة الأوزون الأرضية التي تتشكل من أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة، وتعتبر جزءًا مهمًا من طبقة التروبوسفير.
- التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء النهار والليل، والتي تساهم في تكوين الملوثات الثانوية.
- النيترات بيروكس أسيتيل، الناتجة عن تفاعل المركبات العضوية المتطايرة.
ملوثات داخلية للهواء
تُعتبر هذه الملوثات مصادر تلوث البيئة الداخلية، حيث تطلق غازات أو جزيئات تؤدي إلى مشكلات في جودة الهواء. ومن أبرز هذه المصادر:
- الأجهزة التي تستخدم احتراق الوقود.
- المنتجات المحتوية على التبغ.
- مواد البناء المختلفة.
- منتجات التنظيف والصيانة المنزلية.
- أنظمة التكييف والتدفئة المركزية.