سيرة ابن هشام
الخليفة الإِمام أبو محمَّد عبد الملك بن هشام المعافري، المعروف بـ”ابن هشام”، قام باستخراج كتاب سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- من مصادر كتاب السّيرة لمحمد بن إِسحاق المطّلبيّ، الذي عُرف بـ”ابن إسحاق”. يُعتبر عمل ابن هشام من الأقدم والأكثر موثوقيةً في تجميع سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-، حيث نال الكتاب شهرة واسعة وتقبلًا بين الناس، حتى أُطلق عليه اسم سيرة “ابن هشام”. وقد قام العديد من العلماء بشرح هذا العمل، من بينهم السهيلي والخشني من بلاد الأندلس.
من أبرز ما تميز به ابن هشام هو حرصه على تقليل السرد للإسرائيليّات، وأيضًا حذفه للعديد من الأمور التي لا تتعلق بالسيرة النبوية. عُرف أيضًا ببراعته في التهذيب والتنقيح، وتحديدًا اقتصاره على الروايات الأصح والأكثر دقةً التي توضح أهم الأحداث في حياة النبي -صلى الله عليه وسلّم-. ولذلك، أصبحت سيرة ابن هشام مرجعًا مهمًا ولا غنى عنه في مجال السِّيَر والمغازي. يجدر بالذكر أن سيرة ابن هشام لم تقتصر على التحرير والتَّنقيح، بل احتوت أيضًا على نقد وتحليل واختصار أحيانًا لبعض الروايات الواردة في سيرة ابن إسحاق.
منهج ابن هشام في تأليف السيرة النبوية
حدد ابن هشام منهجه في عرض سيرة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلّم-، حيث بدأ كتابه بإبراز تاريخ سيدنا إسماعيل وسيدنا إبراهيم -عليهما السّلام-، وذكر النسل الذي يعود إليه سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلّم- وأجداده. ركز بشكل خاص على نسل سيدنا إسماعيل –عليه السلام–، متجنبًا ذكر الفروع الأخرى بهدف عدم التطويل. كما قام ابن هشام باستبعاد بعض المقتطفات من كتاب ابن إسحاق التي لا ترتبط مباشرةً بحياة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلّم-، مسعىً منه للحفاظ على الموضوعية والتوازن في طرح سيرته، مع مراعاة القارئ واهتمامه بالتاريخ الدقيق. بعد تنقيحه سيرة ابن إسحاق، عكست سيرته جهدًا كبيرًا بعيدًا عن أي التباس محتمل.
قد قام العديد من الكتّاب بشرح سيرة ابن إسحاق، إلا أن ابن هشام تميز بكفاءته ودقته في هذا المجال، حيث اعتُبرت سيرته تجسيدًا متكاملًا ودقيقًا لحياة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلّم-. تم طباعة الكتاب عدة مرات بسبب القبول الواسع الذي حصده بين الناس، كما قام عدد من المؤلفين بشرح سيرة ابن هشام، من بينهم الإمام أبو قاسم السهيلي، الذي أطلق على شرحه اسم “الرَوْض الأنف”، بالإضافة إلى علماء آخرين قاموا بتلخيص سيرته، مثل الإمام محمد بن عبد الوهّاب.
التعريف بابن هشام
هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، المُكنّى بـ”أبي محمّد”، وُلد في البصرة ونشأ بها. بالإضافة إلى كونه مؤرخًا، كان عالمًا بالأنساب ومطلعًا على أحوال العرب. وله العديد من المؤلفات، منها السيرة النبوية المعروفة بسيرة ابن هشام التي تم الحديث عنها سابقًا، وكتاب تناول فيه تاريخ ملوك اليمن وأخبارهم في الجاهلية باسم “القصائد الحِميرية”، وكتاب “التيجان في ملوك حِميَر” الذي روى فيه أخبارًا عن وَهب بن المُنبّه. كما كتب شرحًا لما ورد في أشعار السِّير من غريب، وغيرها من الأعمال المتعددة. كان معروفًا -رحمه الله- بعمقه في النحو والأدب، وتوفي في مصر عام 213هـ.