يتناول هذا البحث موضوع الصوم، الذي يعني الامتناع عن شيء معين وعدم القيام به. فمن المعروف أن العرب يقولون “صام عن الكلام”، مما يدل على الامتناع عن الحديث. لذا، يمكننا تفسير معنى الصوم كامتناع الشخص عن الحديث.
مقدمة البحث حول الصوم
- من الضروري أن نذكر في سياق توضيح معنى الصوم ما ورد في القرآن الكريم بشأن السيدة مريم عليها السلام: “إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا”.
- الصوم يعني الامتناع عن كافة المفطرات خلال فترة النهار بنية التقرب إلى الله، وذلك بدءًا من الفجر وحتى غروب الشمس. يجب كذلك الامتناع عن جميع الشهوات مثل الطعام والشراب والجماع.
- وتشمل المفطرات أيضًا الأدوية وكل ما يدخل الجسم بشكل مباشر، مما يستدعي أن يكون المكلف بالصيام بالغًا وعاقلًا.
- من الشروط الأساسية للصوم أن ينوي المسلم الصيام ويؤكد عزمه على ترك المفطرات.
- ومن المفترض أن الصائم يمتنع عن المفطرات طوال اليوم، ولكن إذا لم تكن له نية، فلا يُحسب كصائم، حيث إن النية تميز بين الأعمال العادية والعبادات.
مشروعية الصيام
متى تم فرض الصيام؟
- يعتبر الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، كما هو موضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بُنِيَ الإسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أن لا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ والحَجِّ”.
- وفي القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
- لقد اتفق كافة المسلمين على فرضية صيام شهر رمضان، الذي فُرض في السنة الثانية للهجرة، الموافق للعاشر من شهر شعبان.
- لقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، مما يُظهر بوضوح مشروعية هذا العبادة.
ما الحكمة من مشروعية الصيام؟
يتضمن وجوب الصيام العديد من الحكم والأسرار، والتي سنستعرضها في النقاط التالية:
- الصيام هو وسيلة لشكر الله سبحانه وتعالى.
- يعد الصيام وسيلة لتعزيز تقوى الله في النفوس.
- يمنح الصيام القوة للفرد للسيطرة على شهواته والتغلب على عواطفه القاسية.
- يزرع الصيام في النفس صفات حسنة مثل الرحمة والعطف، خاصة تجاه الفقراء والمحتاجين.
- ويعتبر من أعظم حكم الصيام هو قهر الشيطان، حيث تكون قدرته على التأثير على الصائمين أقل بكثير من تأثيره في غيرهم.
شروط وجوب الصيام
في إطار بحثنا حول الصوم، نحتاج إلى التعرف على الشروط الأساسية التي توجب الصيام:
- الإسلام: يُعد الإسلام شرطًا أساسيًا لأداء العبادات.
- البلوغ: يظهر البلوغ من خلال علامات معينة أو بتجاوز سن الثامنة عشر عند الجمهور، بينما يعتبر سن الخمسة عشر كافياً لدى الحنابلة.
- العقل: يُعتبر العقل شرطًا من شروط التكليف، حيث لا يُتكلف المجنون.
- القدرة على الصوم: يشمل ذلك أن يكون الشخص خاليًا من الموانع ذات الصلة، مثل المرض والسفر.
شروط صحة الصيام
النية
- تعني نية الصيام أن يعتزم الشخص بصوت داخلي على القيام بهذه العبادة، وهي شرط أساسي لصحة الصيام.
- وفقًا لآراء بعض الفقهاء، تعد النية ركنًا من أركان الصيام.
الطهارة من الحيض والنفاس
- لا يصح صيام المرأة إذا كانت في حالة حيض أو نفاس.
- تتوجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب ذلك.
أركان الصيام
- اتفقت آراء الفقهاء على أن ركن الصيام هو الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس.
- وهذا مستند إلى قول الله سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، [البقرة: 187]. كذلك، يوجد آراء إضافية لفقهاء آخرين.
المالكية
يعتبر بعض المالكية أن لصيام ركنين هما:
- الإمساك عن المفطرات.
- النية.
الشافعية
أما الشافعية، فتتكون أركان الصيام عندهم من ثلاث نقاط:
- النية.
- الإمساك عن جميع المفطرات.
- الالتزام بالوقت بين الفجر وغروب الشمس.
مبطلات الصيام
الأكل والشرب عمدًا
- اتفق الفقهاء على أن الصيام يُبطل إذا تناول الشخص الطعام أو الشراب عمدًا في نهار رمضان، وعليه قضاء ذلك اليوم.
تناول ما كان يعتبر أكلاً أو شرباً
- يشمل ذلك الأدوية والإبر المغذية التي تدخل إلى جسم الإنسان، مما يفسد الصيام.
الجماع
- إذا قام الشخص بالجماع في نهار رمضان، فإن صيامه يبطل وعليه قضاء ذلك اليوم أو الكفارة.
إنزال المني اختيارًا
- إذا قام الشخص بالاستمناء أو قام بلمس أو تقبيل، فإن صيامه يبطل وعليه القضاء أو الكفارة.
خروج دم الحيض أو النفاس
- إذا نزل دم الحيض أو النفاس على المرأة في نهار رمضان، فإن صيامها يصبح باطلاً، وعليها الإفطار وقضاء تلك الأيام لاحقًا.
الردة
- تكون ردة الشخص في نهار رمضان موجباً لبطلان صيامه، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم عند رجوعه إلى الإسلام.
نية الإفطار
- إذا نوى الشخص الإفطار في نهار رمضان، يكون صيامه باطلاً، وذلك حسب الأحكام المدونة عند الحنابلة والمالكية، ورأي الشافعية كذلك.
التقيؤ عمدًا
- إذا تقيأ الشخص عمدًا، يُبطل صيامه، وعليه قضاء ذلك اليوم حتى وإن لم يُدخل إصبعه في حلقه.
- لكن إذا كان التقيؤ غير متعمد، فلا حرج عليه ويكمل صيامه.
مستحبات الصيام
- السحور: يُفضل تناول السحور ولو بشيء بسيط، يُفضل تأخيره إلى ما قبل الفجر.
- تعجيل الإفطار: من المستحب الإسراع في الإفطار عند غروب الشمس، وتقديم الإفطار على الصلاة.
- الإفطار على رطب: يُستحب الإفطار على الرطب، وإذا لم يتوفر، فيمكن استبداله بالتمر، وإذا كان غير متاح، بالماء.
- الإكثار من الدعاء: يجب على الصائم أن يكثر من الدعاء، حيث أن له دعوة مستجابة.
- الإفطار بوجبة مشبعة: إن كان متاحًا، يُفضل تناول وجبة تدعم الطاقة بعد الصيام.
- كف اللسان: من المهم كف اللسان عن الغيبة واللغو.
- ترك الشهوات المباحة: يجب تجنب العطور وما شابهها خلال نهار رمضان.
- التوسعة: يُفضل أن يتوسع الشخص في تقديم الطعام لأهله خاصةً في رمضان.
- الاشتغال في طلب العلم: طلب العلم من العبادات، كما يُفضل الإكثار من قراءة القرآن.
- الاعتكاف: يُعتبر الاعتكاف من المستحبات خاصة في العشر الأواخر من رمضان.
مكروهات الصيام
الحنفية
- تذوق ما لا يحتاج إليه، كأن يضع شيئًا في فمه ويقوم بمضغه بدون حاجة.
- مضغ العلكة بلا طعم.
- التقبيل أو اللمس دون التأكد من عدم إنزال المني.
- جمع اللعاب وبلعه عمدًا.
- الحجامة أو الفصد في نهار رمضان.
المالكية
- الإدخال لأي شيء رطب إلى الفم، حتى لو لفظه بعد ذلك.
- مضغ تمرة لأجل طفل، فإذا دخل شيئ للأفق يجب القضاء.
- التفكير أو النظر للجماع، خاصة إذا شعر الشخص بدفع الشهوة.
- شم العطر أو الطيب في نهار رمضان.
- تجنّب الوصال في الصيام.
- عدم قضاء اليوم في النوم والكسل.
- الفضول في الكلام والسلوك غير مستحب.
- الحجامة.
- الحاجة إلى علاج أسنان معينة، إلا بمعرفة طبية.
الشافعية
- الحجامة أو الفصد.
- التقبيل حتى وإن أطمأن الشخص.
- تذوق الطعام أو القيام بمضغ العلكة.
- الاستحمام.
- تجربة ما حوله، مثل شم الريحان ولمسه.
- استخدام السواك بعد الزوال حتى الغروب.
- إفراط المضمضة والاستنشاق.
الحنابلة
- الجمع في الريق وبلعه عمدًا.
- التدقيق في الاستنشاق والمضمضة.
- تذوق الطعام بدون سبب.
- Mضغ العلكة غير القابلة للتحلل.
- التقبيل الذي يؤدي إلى الشهوة.
- ترك بقايا الطعام في الفم.
- شم ما لا يُؤمن من دخوله إلى الحلق، مثل البخور والعنبر.
فضل الصيام
أولاً
- يُعتبر الصيام من أعلى العبادات، كما قال أبو أمامه الباهلي رضي الله عنه: “قلت يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصيام، فإنه لا مثيل له”.
- يُعتبر الصيام عبادة خاصة وعظيمة عند الله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنَه لي وأنا أجزي به”.
- يجمع الصيام بين ثلاثة أنواع من الصبر: الصبر على طاعة الله، الصبر عن المعصية، والصبر على مشقة الجوع والعطش.
- يكون الصيام شفيعًا لعباده يوم القيامة، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
- يُعد من الكفارات العظيمة، حيث أن كفارة القتل تتطلب صيام شهرين متتاليين.
ثانيًا
- يُساهم الصيام في إزالة الأحقاد والضغائن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن حر الصدر”.
- يعتبر الصيام وسيلة للدخول إلى الجنة من باب الريان، الذي خصصه الله للصائمين.
ثالثًا
- يُعتبر الصيام شفيعًا في الآخرة، ويعزز من أجر الشخص الصائم، حيث يجزى الله الصائم بالمغفرة والأجر العظيم.
- هذا يُعد من فضائل الصيام، مما يجعلنا نسعى لتحقيقه في حياتنا.