جمال عبد الناصر، الذي يُعد رمزًا للقومية العربية ومُلهمًا للثورات في أفريقيا، كان له دور كبير في تحويل مصر من ملكية إلى جمهورية.
تجلى اسمه في العديد من الإنجازات على المستويين المصري والعربي وحارب إسرائيل في عدة مواجهات.
على الرغم من ذلك، فقد خسر عبد الناصر العديد من المعارك العسكرية التي خاضها خارج مصر.
من خلال هذا البحث، سنناقش بشكل شامل شخصية الزعيم جمال عبد الناصر وأهم إنجازاته والحروب التي شارك فيها.
مولد جمال عبد الناصر
وُلد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المري في 15 يناير 1918 في حي باكوس بالإسكندرية. كان والده من أصول صعيدية من بني مر في أسيوط.
بسبب ظروف عمل والده، انتقل جمال عبد الناصر بين الإسكندرية والقاهرة خلال فترة تعليمه.
أثناء دراسته الثانوية، شارك في العديد من المظاهرات ضد الاستعمار البريطاني.
بعد إنهاء دراسته الثانوية، حاول الالتحاق بالكلية الحربية الملكية لكنه لم يُقبل. ثم انتقل للدراسة عامًا في كلية الحقوق، لكنه تركها لاحقًا.
عبر وساطة وزير الحربية، “إبراهيم سري باشا”، تمكن من الالتحاق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1938.
بداية مسيرته العسكرية
انطلقت مسيرة جمال عبد الناصر العسكرية بعد تخرجه في الكلية الحربية برتبة ملازم ثاني، حيث تم تعيينه في السودان خلال الفترة التي كانت فيها مصر والسودان مملكة واحدة.
خلال وجوده في السودان، تعرف على شخصيتين بارزتين في حياته، هما عبد الحكيم عامر ومحمد أنور السادات.
عاد عبد الناصر إلى القاهرة في عام 1948، حيث شهد حادثة تاريخية تعرض فيها الملك فاروق للضغط من قبل الإنجليز للتنحي عن رئيس الوزراء حسين سري باشا.
اعتبر عبد الناصر هذا الموقف انتهاكًا للسيادة المصرية وكان عليه أن يتدخل الجيش في هذه القضية.
تأسيس حركة الضباط الأحرار
في عام 1948، التحق جمال عبد الناصر بكلية الأركان العامة وبدأ العمل مع مجموعة من الضباط الوطنيين لتأسيس حركة الضباط الأحرار.
كانت هذه الحركة تسعى إلى تحرير البلاد من الاحتلال البريطاني، وبدأت في السر قبل أن تنجح في الإطاحة بالملك فاروق وإعلان الجمهورية.
أول معركة لفلسطين
شهد عام 1948 أول معركة قادها جمال عبد الناصر في فلسطين، حيث خدم في كتيبة المشاة السادسة. وتم إرساله إلى هناك بعد أن قرر الملك فاروق إرسال وحدات من الجيش المصري للمشاركة في حرب فلسطين.
أصيب عبد الناصر بجروح طفيفة خلال المعركة، بينما عانت كتيبته من حصار إسرائيلي قوي. ومع ذلك، قاوموا ولم يستسلموا حتى انتهت المفاوضات بسحب القوات.
استقبلت الجماهير عبد الناصر كأحد الأبطال بعد عودته إلى مصر، مما عزز من شعبيته.
بعد المعركة، بدأ عبد الناصر التخطيط للإطاحة بالملك فاروق، وأجرى محادثات مع قادة الإخوان المسلمين، لكن لم تنجح أفكارهم في التقارب.
عاد عبد الناصر للتركيز على حركة الضباط الأحرار.
ثورة 1952
أسس جمال عبد الناصر الحركة التشكيلية للضباط الأحرار التي ضمت مختلف القوى السياسية والعسكرية.
تم انتخاب عبد الناصر بالإجماع رئيسًا للحركة، وعلى إثر ذلك بدأت التحضيرات للثورة.
تم اعتباره “ثورة بلا دماء” وتم إبعاد الملك فاروق، وتولى اللواء محمد نجيب الرئاسة.
بيد أن الخلافات بين نجيب وعبد الناصر أدت لاستقالة نجيب في النهاية.
تولي عبد الناصر الحكم
ازداد دعم الجماهير لعبد الناصر بعد محاولة اغتياله في حادث المنشية، مما أسهم في تصاعد شعبيته.
بعد نجاحه في الحكم، بدأ عبد الناصر بحملة تطهير استهدفت خصومه السياسيين.
سُجن العديد من الشيوعيين وقادة الإخوان وتمت محاكمتهم عسكريًا، مما أرسى دعائم حكمه كزعيم وحيد للبلاد.
إجراءات الزعيم في بداية حكمه
في عام 1956، عدل عبد الناصر الدستور المصري ليعلن عن جمهورية تحكمها أحزاب سياسية، مع الإبقاء على الإسلام كدين الدولة.
نظّم استفتاءً شعبيًا حصل فيه على نسبة 99.9% من الأصوات.
ومع ذلك، لم تتلاءم سياسته الخارجية مع توجهات بريطانيا وفرنسا، مما أدى لسحب الدعم الأمريكي لبناء السد العالي.
تأميم قناة السويس: التأييد والمعارضة
كان يتم إدارة قناة السويس بواسطة الإنجليز بصفة قانونية حتى عام 1968، لكن عبد الناصر قرر تأميمها في 26 يوليو 1956، قبل انتهاء العقد.
هذا القرار أثار عواصف من المعارضات الدولية وأدى لاندلاع العدوان الثلاثي على مصر.
على الرغم من كل هذه التحديات، حظي عبد الناصر بشعبية واسعة داخل مصر وعبر العالم العربي بعد تأميم القناة، حيث اعتبرت تلك الخطوة من أبرز إنجازاته.
العدوان الثلاثي على مصر 1956
أطلق العدوان الثلاثي رداً على تأميم قناة السويس. خلاله، عبرت القوات الإسرائيلية سيناء، وواجهت الجيش المصري خسائر كبيرة.
تأسس موقف عبد الناصر على قرار إنهاء العمليات الحربية، مما أدى لوصوله إلى نتائج سياسية سخية للزعيم المصري.
مشروع الوحدة الوطنية العربية
سعى عبد الناصر لتحقيق الوحدة العربية، وأسس اتحادًا بين مصر وسوريا عام 1958، لكن هذا الاتحاد لم يستمر طويلًا بسبب تهميش القيادات السورية.
حرب اليمن 1962
في خضم ذلك، اندلعت حرب اليمن والتي تدخل فيها عبد الناصر بدعم القوات الجديدة، مما أدى إلى خسائر بشرية وعسكرية للقوات المصرية.
نكسة 1967
واجه عبد الناصر نكسة عام 1967 عندما احتلت إسرائيل أراض عربية، مما أدى لاستقالته ولكن رغبة الشعب في عودته أجبرته على التراجع.
القبضة الحديدية للأمن الداخلي
توجه عبد الناصر للاهتمام بالشؤون الداخلية وعزز سلطته الأمنية، ما أطلق عليه خصومه لقب الديكتاتور.
حرب الاستنزاف 1968
رغم المواقف العسكرية والسياسية المتلاحقة، قرر عبد الناصر شن حرب الاستنزاف التي لم تحقق نتائج إيجابية لمصر.
قبل وفاته، وافق عبد الناصر على اتفاقية لوقف إطلاق النار في عام 1970.
وفاة عبد الناصر
توفي عبد الناصر في سبتمبر 1970 بعد تعرضه لنوبة قلبية شديدة. ورغم الشائعات حول وفاته، خرج الملايين لتوديع الزعيم المحبوب في جنازة تاريخية.
ردد الملايين منهم شعارات تعبر عن حبهم وتقديرهم لزعيمهم، متأملين إنجازاته وأثره على تاريخ مصر.