وجهة الرحلات التجارية في الشتاء والصيف
كان تجار قريش في مكة يشتهرون برحلاتهم التجارية التي تتكرر مرتين سنويًا؛ واحدة في فصل الشتاء والأخرى في فصل الصيف، وقد أشار الله -تعالى- إلى هذه الرحلات في سورة قريش بقوله: (لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ* إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).
تشير هذه الآيات إلى توجيه الله -تعالى- لقريش بعبادة رب هذا البيت وعدم الشرك به، فهو الذي منحهم الطعام وساهم في تأمينهم من الخوف. رحلات الشتاء والصيف كانت موهبة إلهية لهم، حيث كانت وجهتهم في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام، وكلمة “إيلافهم” تشير إلى ما تعودوا عليه وألفوه.
أسباب الرحلات التجارية في الشتاء والصيف
تشير الرحلات إلى مفهوم السفر، حيث ينتقل الفرد من مكان إلى آخر بحثًا عن الربح والتجارة. كان قادة قريش يقومون برحلتين سنويًا: واحدة في الشتاء وأخرى في الصيف، حيث كانوا يبحثون عن بلدان تتمتع بجو معتدل ليتجنبوا مشاق السفر. كانت وجهتهم في الشتاء اليمن لدفئه، وفي الصيف الشام لبرودته. من خلال هذه الرحلات، كانوا يجلبون المواد الغذائية والملابس لأهل مكة، كما كانوا يكسبون الأموال من معاملات تجارية مربحة، حيث كان ملوك تلك المناطق يكرمون أهل مكة لسمعتهم واعتزازهم بكونهم جيران بيت الله.
أول من أسس رحلات الشتاء والصيف
أول من أسس لمفهوم رحلات الشتاء والصيف هو هاشم بن عبد مناف، وهو أحد سادة قريش واسمه الحقيقي عمرو. تم تسميته بهاشم لأنه أول من هيأ الثريد لقومه، وهو نوع من الخبز الممزوج بمرق اللحم. كان هاشم رجلًا ذو مكانة رفيعة وثروة معتبرة. تولى أيضًا مسؤولية السقاية، التي تتعلق بجمع الماء من آبار مكة وتحليته بالتمر أو بالزبيب وتقديمه للحجاج، وكذلك الرفادة، التي تعني تقديم الطعام لضيافة الحجاج في البيت الحرام، وذلك بين بني عبد مناف وبني عبد الدار.
كان يقدم الطعام للحجاج في مناسبات متعددة خلال الحج، مثل عرفة ومنى والمزدلفة. وقد نظم الشاعر الزبعري قصائد تصف كرم هاشم، حيث يقول:
عَمْرُو الذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ
:::ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
سُنَّتْ إلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَ
:::سَفَرُ الشِّتَاءِ ورِحْلَةُ الأصْيَافِ
وقد انتقلت مسؤولية السقاية والرفادة بعد هاشم بن عبد مناف إلى عبد المطلب بن عبد مناف، وهو جد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وشقيق هاشم. وقد أوصى هاشم بعد وفاته بولايتها لعبد المطلب، الذي عرف بكرمه وشرفه بين قومه، حيث لقبته قريش بـ”الفيض” لشدة كرمه.