قصيدة على قدر أهل العزم
للشاعر المتنبي:
تأتي العزائم على قدر أهل العزم،
وتأتي المكارم على قدر الكرام.
تتعظم الصغائر في عيون الصغار،
وتصغر العظائم في عيون العظماء.
يُكَلِف سيف الدولة الجيش همّه،
وقد عجزت عن ذلك الجيوش الأبطال.
ويطلب عند الناس ما عند نفسه،
وذلك شيء لا تجرؤ على ادعائه الضواري.
يفدي أتم الطير سلاحه،
نُسُورُ الميادين أحداثها والقشاعم.
وما ضرها خلق بدون مخالب،
فقد وُجدت أسيافُهُ والقوائم.
هل تعرف الحُمرَاءُ لونها،
وتعلم أي الساقيين الغمامُ؟
سَقَتها الغمامُ قبل نزوله،
فلما دنا منها سكبتها الجماجم.
بناها فعلا والجناجر تتقارع،
وموج المنايا حولها متلاطم.
وكان بها وكأنها جنون، فأصبحت،
ومن جثث القتلى عليها تمائم.
طريدة دهري ساقها فرددتْها،
على الدين بالخطي، والدهر راغم.
تُفيت الليالي كل شيء أخذته،
وهن لما يأخذن منك غوارم.
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعًا،
مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازم.
وكيف تُرَجّي الروم والروس هدمها،
وهذا الطعن أساسي لها ودعائم.
قصيدة لبنان مجدك في المشارق أول
للشاعر أحمد شوقي:
لبنانُ مجدك في المشارق أول،
والأرض رابيةٌ وأنت سنام.
وبنوك ألطف من نسيمك ظلالهم،
وأشم من هضباتك الأحلام.
أخرجتهم للعالمين حَجاحجِا،
عربًا وأبناء الكريم كرام.
بين الرياض وبين أفق زاهر،
طلع المسيح عليه والإسلام.
هذا أديبك يحتفى بوسامه،
وبيانه للمشرقين وسام.
ويجل قدر قلادة في صدره،
وله القلائد سمطها الإلهام.
صدر حوله الجلال وملؤه،
كرمٌ وخشية مؤمن وذمام.
حلاه إحسان الخديو وطالما،
حلاه فضل الله والإنعام.
لعلاك يا مطران أم لنهاك أم،
لخلالك التشريف والإكرام.
أم للمواقف لم يقفها ضيغم،
لولاك لاضربت لها الأهرام.
هذا مقام القول فيك ولم يزلْ،
لك في الضمائر محفلٌ ومقام.
بوارق لاح أم بدر بدى،
غالي بقيمتك الأمير محمد.
وسعى إليك يحفّه الإعظام،
في مجمع هز البيان لواءه،
بك فيه واعتزّت بك الأقلام.
ابن الملوك تلا الثناء مخلّدًا،
هيهات يذهب للملوك كلام.
فمن البشير لبعلبك وفتية،
منهم هنالك فرقدٌ وغمام.
بين المعرّة في الفخار وبينها،
نسبٌ تضىء بنوره الأيام.
يبلى الميكن الفخم من آثارها،
يومًا وآثار الخيل قيام.
قصيدة محمد ما آمالنا بكواذب
للشاعر البحتري:
مُحَمّدُ ما آمالنا بكواذب،
لديك ولا أيامنا بشواحب.
دعوناك مدعوًّا إلى كل نوبة،
مجيبًا إلى توهين كيد النوائب.
بعزم عمومٍ من مصابيح أشعر،
وحزم خؤولٍ من لؤي بن غالب.
لغبت مغيب البدر عنا، ومن يبت،
بلا قمرٍ يذمُ سَواد الغياهب.
فكم من حنينٍ لي إلى الشرق مُصعد،
وإن كان أحبّائي بأرض المغارب.
وما التقت الأحشاء، يوم صبابة،
على برجاءٍ مثل بُعد الأقارب.
ولا سُكبَتْ بيضُ الدموع وحُمرُها،
بحق، على مثل الغيوث السواكب.
رحلتَ فلم آنس بمشهد شاهد،
وأنتَ فلَم أحفل بغيبة غائب.
قدمتَ فأقدمتَ الندى يحمل الرضا،
إلى كل غضبانٍ، على الدهر، عاتب.
وجئتَ، كما جاء الربيع، مُحَرِّكًا،
يديك بأخلاقٍ تفي بالسحائب.
فعادتْ بك الأيام زهراً كأنما جلا،
الدهر منها عن خدود الكواعب.
أبا جعفر ما رفد رِفدٍ بمسلمي،
إلى مذهبٍ عنكم، ولا سَيبُ سائب.
فمن شاء فليَبخَلْ، ومن شاء فليجد،
كَفاني نداكم من جميع المطالب.
وما أنسى لا أنس اجتذابك همّتي،
إليكَ، وترتيبي خاص المراتب.
صفيك من أهل القوافي بزعمهم،
وأنتَ صفيّي دون أهل المواهب.
حلفناه حلفًا بيننا، فتجدّدت،
مناسبات أُخرى بعد تلك المناسب.
فيا خير مصحوبٍ، إذا أنا لم أقل،
بشكرِكَ، فاعلم أنني شرُّ صَاحب.
بمنظومة نظم اللآلى يخالها،
عليك سراة القوم عقد كواكب.
قصيدة لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة
للشاعر خفاف بن ندبة عيلان السلمي:
لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة،
أهبن حُضيرًا يوم أغلق واقما.
أطاف به حتى إذا الليل جنّه،
تبوأَ منه منزلًا متناعما.
وأودين بالرحال عروة قبله،
وأهلَكنَ صَيّاد الفوارس هاشما.
وهونّ وجدي أنني لم أكن له،
كطير الشمال ينتف الريش حاتما.
قصيدة قل للأمير الذي فخر الزمان به
للشاعر أبو الحسن الجرجاني:
قل للأمير الذي فخر الزمان به،
ما الدهر لولاك إلا منطق خَطل.
كفتك آثار كفيك التي ابتدعت،
في المجد شاده آباؤك الأوائل.
ما زال في الناس أشباه وأمثلة،
حتى ظهرت فغاب الشكل والمثل.
قصيدة قل لأبي حمزة هيد هيد
للشاعر أبو وجزة السعدي:
قل لأبي حمزة هيد هيد،
جئناك بالعادية الصنديد.
بالبطل القرم أبي الوليد،
فارس قيس نجدها المعدود.
في خيل قيس والكُمات الصيد،
كالسيف قد سل من الغمود.
محض هجان ماجد الجذود،
في الفرع من قيس وفي العمود.
فدى لعبد الملك الحميد،
ما لي من الطارف والتليد.
يوم تنادي الخيل بالصعيد،
كأنه في جنان الحديد.
قصيدة أسنى البوارق لاح أم بدر بدا
للشاعر علي الغراب الصفاقسي:
أسنى البوارق لاح أم بدرٌ بدا،
أم ثغر من تهواه لاح مُنضّدا.
أم أسفرت وجناتُه فحسبتها،
أسنى شهاب في السماء توقدًا.
أم تلك أنوار البشائر أشرقت،
في أفق ترشيش بمخلص أحمدا.
نجل الجليل أبي المكارم مصطفي،
من كان فردًا في العُلا متفردًا.
ورث العلا والعز عن آبائه،
لكن تجاوز قدره وتصعّد.
جمع الفصاحة والنباهة والذكا،
وسما بآداب وطاب توددًا.
يا أيها النجل الكريم ومن غدا،
يزداد فضلًا في الأنام وسؤددا.
لا تأس من أيام سجنك إنّها،
حكم من الزمان كان مؤكدًا.
فلربما لبس الفتى من دهره،
ذنبا وبالنّكبات عنه تجرّدا.
كم نعمة طويت على نعم ولو،
علم الفتى لسمى لها مسترشدا.
لولا سرار في البدور لما انجلت،
والسيف لولا الغمد يركبه الصدا.
والدر لولا المكث في أصدافه،
ما كان في جيد الزمان مقلدا.
جحدوك لمّا أن رأوك ذخيرة،
إنّ الذخائر شأنُها أن تُجحدا.
ولئن خلصت وما اكتملت تخلصا،
فالتمّ يُسرع للهلال إذا بدا.
شرفت مراتبكم فلا ضيّعتها،
أرأيت نجمًا عن عُلاك توهّدا.
فاهنأ بمخلصك الجليل فإنهُ،
أضحى من العليا عليك به ردا.
دُم في مراقي العزّ دهرك آمنا،
وابشر بإقبال عليك تجدّدّا.