إصلاح القلب وتجاوز الغفلة
يعتبر العلم شرفًا في حد ذاته، وهو السبيل نحو إصلاح القلب والعقل واللسان. من خلال العلم، نستطيع معرفة ما يصلح القلب وما يفسده، فهو الطريق الذي يؤدي إلى الله -تعالى-. تتنوع الطرق المؤدية إلى الله، بعضها قصير وبعضها طويل، ولكن أقصرها هو العلم بالقرآن. قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).
يساعدنا العلم على التعرف على الله، إذا ما ضللنا الطريق، ويفتح أذهاننا لقدرته وعظمة أسمائه وصفاته. كما يمكننا من معرفة أمراض قلوبنا وطرق علاجها. في حال غلبتنا الغفلة عن الله، نستطيع التغلب عليها من خلال العلم، إذ أن زوال الغفلة خاصية من خصائص الذكر. كيف يمكن أن يكون الذكر خالص النية لله -تعالى- بينما القلب خالٍ من المعرفة به؟ قال الله -تعالى-: (وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ).
خشية الله
يؤدي العلم إلى نشوء الخشية. العلاقة بين معرفة الله -تعالى- والخشية منه هي علاقة مباشرة؛ فكلما زاد العلم زادت الخشية. يقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ). وقد ذكر سفيان الثوري: “العالم بالله وبأمره هو من يخشى الله -تعالى- ويعلم حدود الشرع وفرائضه”.
وبما أن العلم يولد الخشية، فإن الخشية أيضًا تعزز المعرفة. لذا جعل الله -تعالى- الخشية علامة من علامات الخير وسببًا من أسباب التفضيل، كما ورد في قوله: (أُولَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
ثم أكمل وصفهم بقوله: (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). وبهذا، فإن من خشي الله سيكون جزاؤه الجنة -إن شاء الله-، ولا يخشى الله إلا العلماء.
رضا الله
إن السعي للحصول على العلم هو من أسباب نيل رضا الله -تعالى-. فعندما يبدأ الشخص في طلب العلم، يتبعه الخير والنعيم من الله -تعالى-. يمنح الله -تعالى- التوفيق ويسهل للطلاب الطريق إلى الجنة، وكلما مضى طالب العلم قدمًا، اتسعت له هذه الطريق. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ).
ومن بركات رضا الله لما يقوم به طالب العلم أنه جعل الملائكة -وهي مخلوقات نورانية عظيمة- تنير طريقه، مما يساعده على اكتساب نور العلم من الله -تعالى- ومن الملائكة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ خَارِجٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ).
مكافحة جهل الأمة
يعتبر الجهل آفة الأمم، فلا أمة سادت أو بادت إلا بزيادة العلم كانت سيادتها، وبنقص العلم كان هلاكها. وعندما يريد الله -تعالى- أن يهلك أمة، ينزع منها العلم، ولا يحدث هذا عبر سحب العلم من النفوس، وإنما يكون عبر موت العلماء، حيث يموت العالم ولا يبقى من يقوم مقامه، مما يؤدي إلى انتشار الجهل ويصبح سبب هلاكهم.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).
دخول الجنة
هناك وجهان لارتباط طلب العلم بدخول الجنة:
- الأول: طلب العلم بحد ذاته يعد عبادة، وقد جعل الله -تعالى- لها أجرًا عظيمًا، وزيادة الأجر تؤدي إلى دخول الجنة.
- الثاني: معرفة العلم تجعل المتعلم عارفًا بالحلال والحرام، مما يساعده على تجنب المعاصي وفعل الخيرات، وهذا يؤدي إلى دخول الجنة.
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ). يسهل الله -تعالى- لطالب العلم العقبات في الدنيا والآخرة، ويساعده في الظهور والمحشر والوقوف بين يدي الله -تعالى-، ويدخل الجنة، ويدور الحديث هنا حول طلب العلم الشرعي، فهو الذي يُحاسب الله -تعالى- عليه.