يُقدم لكم هذا البحث حول سيرة الشيخ الطاهر بن عاشور، حيث نستعرض فيه نسبه، نشأته، مسيرته العلمية وإنجازاته خلال حياته. وُلِد الشيخ في عام 1269 هجريًا، والموافق 1879 ميلادي، في قصر الوزير محمد بوعتور، الذي ينحدر من جهة والدته.
تكتسب عائلته عاشور مكانة مرموقة في المجتمع، إذ كان جدّه من جهة أبيه قاضيًا في الحضرة التونسية، كما أن أصول العائلة تعود إلى الأندلس وأشرافها.
بحث حول الشيخ الطاهر بن عاشور
نشأ الشيخ منذ الصغر على المبادئ الأخلاقية، وساهم والده في توجيهه نحو دراسة وحفظ القرآن الكريم، إذ كان يشغل منصب رئيس جمعية الأوقاف:
- تزوج الشيخ في مقتبل عمره من ابنة محمد محسن، نقيب أشراف تونس، وأنجب منها ثلاثة أبناء ذكور هم: محمد الفاضل وعبد الملك وزين العابدين، بالإضافة إلى ابنتين.
- كانت مسيرته العلمية غنية بالمحطات الهامة، حيث التحق في عام 1310هـ بالجامع الأعظم “الزيتونة” لدراسة مجموعة متنوعة من علوم الوسائل والمقاصد.
- كان هذا الجامع بمثابة معهد للتعليم في تلك الفترة، ونجح الشيخ في دراسة العديد من العلوم، مثل النحو، البلاغة، الحديث، العقيدة، والفقه.
- حظي بفضل توجيهات الشيخ عمر بنصحه في اختيار الأساتذة الذين قاموا بتعليمه.
- حيث كان المعهد يمنح الطلاب حرية اختيار الشيوخ لتحصيل المعلومة.
- وفقًا لإرشادات الشيخ عمر، درس الشيخ الطاهر علوم التجويد والقراءات على يد الشيخ التميمي، بالإضافة إلى دراسة مقدمة الإعراب ومختصر البلاغة والمنطق مع الشيخ النخلي، وكتب أخرى متنوعة.
مسيرة الشيخ الطاهر العملية
شغل الشيخ عدة مناصب في مجال التدريس والإدارة، حيث تطورت مسيرته الأكاديمية. إليكم بعض المواقع التي عمل بها:
- تولى مسؤولية التدريس بشكل رسمي في جامع الزيتونة عام 1320هـ.
- انتدب للتدريس في المدرسة الصادقية من عام 1321هـ حتى 1351هـ.
- كان عضوًا في الجمعية الخلدونية، حيث عُين في مجلس إدارتها عام 1323هـ.
- حصل على رتبة نائب الدولة في النظارة العلمية عام 1325هـ.
- أصبح عضوًا في لجنة تنقيح البرامج، التي كانت معنية بتطوير التعليم، حيث عُين عام 1326هـ.
- كما شارك في عام 1324هـ في مسابقة تعليمية متعلقة ببيع الخيار في الفقه داخل جامع الزيتونة.
- أسهم في تعليم الطلاب كتبًا متنوعة تُصنف من أمهات الكتب، مثل “دلائل الإعجاز في البلاغة” و”ديوان الحماسة” و”مقدمة ابن خلدون”.
- تخرج تحت إشرافه أجيال عديدة من طلاب العلم، وحققت مسيرته إنجازات ملحوظة في مجال التعليم والإدارة.
- شغل عدة مراتب ضمن المذهب المالكي، بما في ذلك المعلم، المفتي، والقاضي، وتم تكريمه بشهادة التطويع ولقب “شيخ الإسلام المالكي” بفضل تألقه وذكائه.
- أسس جسور التواصل مع عدد من المدن العربية والأوروبية للمشاركة في ملتقيات إسلامية، حيث كان عضو مراسل في المجمع العلمي بدمشق عام 1955م، ومجمع القاهرة عام 1956م.
التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور
لا بد من الإشارة إلى كتاب “التحرير والتنوير” في هذا البحث، الذي استغرق الشيخ خمسين عامًا من عمره لتأليفه:
- تمكن الشيخ من تأليف تفسير يُعتبر من الأعمال المتميزة في عصره، إذ يُعَد من كبار المفسرين في الزمن الحديث.
- استند إلى الأسلوب البلاغي في تفسيره، موضحًا الحقائق العلمية التي وردت في القرآن بشكل مختصر وفاعلية.
- شمل الكتاب خلاصة قيمة من أفكار الشيخ الاجتهادية، حيث أوضح في مقدمته أنه يتبنى موقف الحُكم في تفسيره ضمن طوائف وعلماء التفسير.
- وصف العديد من العلماء كتاب بن عاشور بأنه من أفضل الكتب لما احتواه من نفائس التفاسير.
مقاصد الشريعة للشيخ الطاهر بن عاشور
يعد كتاب “مقاصد الشريعة” من أهم التراث الذي تركه الشيخ، حيث كان فقيهًا يؤمن بفتح باب الاجتهاد في الفقه:
- الكتاب يتيح مجالًا للاجتهاد، مما يُحدث تغييرًا في الاعتقاد السائد بأن باب الاجتهاد قد أُغلق منذ القرن الخامس هجريًا.
- يُبرز أن هذا الاعتقاد قد يؤدي إلى تراجع العلماء عن ممارسة الاجتهاد في الفقه.
- يعتبر الكتاب من أبرز المؤلفات الدقيقة والواضحة في الفقه، مع مراعاة سلامة المنهج والأفكار المختلفة فيه.
محنة التجنيس التي تعرض لها الشيخ
عاش الشيخ في عصر الاحتلال الفرنسي، مما جعله مهددًا كشيخ مصلح يسعى لنشر الوعي الديني:
- في عام 1910م، أصدرت السلطات الاستعمارية قانونًا يمنح التونسيين حق التجنس بالجنسية الفرنسية، لكن الشعب التونسي احتجّ على هذا القرار ورفض دفن المتجنسين في مقابر المسلمين.
- لذا، لجأت الحكومة الفرنسية لابتكار حيلة للحصول على فتوى من المجلس الشرعي. تم توجيه سؤال عام غير مرتبط بالموقف الحقيقي في ذلك الوقت.
- وبما أن الشيخ كان يُدير المجلس في تلك المرحلة، أصدر فتوى تنص على ضرورة حضور المتجنس أمام القاضي للإدلاء بالشهادتين والتخلي عن الجنسية الفرنسية لكي تُقبل توبته.
- نظرًا لأن هذه الفتوى تناقضت مع رغبات الاستعمار، تم حجب الفتوى، وشنت حملات تشويه ضد سمعة الشيخ، استمرت الفترة الصعبة لمدة ثلاثين عامًا.