تعد تجربة أحمد عرابي جزءًا هامًا من التاريخ المصري. فهو أحمد الحسيني عرابي، قائد الجيش المصري وزعيم الثورة العرابية التي قوبلت بقوة من الخديوي توفيق. عاش عرابي حياة مليئة بالتحديات، إلا أن وفاته تمت في ظروف مؤلمة. في هذا المقال، نقدم بحثًا شاملًا عن أحمد عرابي يتناول جميع جوانب حياته العسكرية، وخطبته الشهيرة، ومواقفه البارزة والمعارك التي شارك فيها، لذا إبقوا معنا.
أحمد عرابي
أحمد محمد عرابي وافي غنيم عبد الله الحسيني، وُلد في مارس 1841 في محافظة الشرقية، وكان الابن الثاني لوالديه.
تعلم أحمد عرابي القرآن منذ طفولته، وبعدها أرسله والده إلى كاتب القرية، حيث تلقى تدريبه في القراءة والكتابة ومهارات الحساب لمدة خمس سنوات.
عندما بلغ أحمد الثامنة من عمره، أبدى رغبته في الالتحاق بالجامع الأزهر، فوافق والده ودُفع به إلى القاهرة في عام 1849 بمساعدة أخيه الأكبر. توفي والده بعد فترة قصيرة نتيجة الإصابة بالكوليرا، واستمر أحمد في تعليمه في الأزهر لأربع سنوات، حيث أتم حفظ القرآن الكريم ودرس بعض علوم التفسير والفقه.
حياة أحمد عرابي العسكرية
في بدايات حياته العسكرية، لم يكن بوسع المصريين الانضمام إلى الجيش، إذ كانت تلك الفرصة محصورة بالجنود الشراكسة. ولكن، مع إصدار الخديوي محمد سعيد باشا مرسومًا يسمح للمصريين من الأعيان بالانضمام، التحق أحمد عرابي بالجيش عام 1854.
بدأ أحمد عرابي حياته العسكرية كجندي بسيط، ولكنه سرعان ما ارتقى بسرعة في المناصب العسكرية من أمين بلوك إلى ملازم ثاني، ثم يوزباشي، وبعدها إلى صاغ ثم بكباشي. في عام 1860، نال رتبة قائمقام، والتي تعادل حاليًا رتبة عقيد، وهو في أوائل العشرينات من عمره.
كان لعلاقة أحمد عرابي مع الخديوي سعيد باشا أهمية كبيرة، حيث كان يُعتبر من المقربين له في التدريب والمناورات، وقد أهداه كتابًا عن نابليون بونابرت، وهو ما يُعتبر هدية قيمة في ذلك الوقت.
بعد وفاة سعيد باشا، تولى الخديوي إسماعيل الحكم، وسرعان ما عادت التفرقة بين الجنود المصريين والشراكسة لتسود مرة أخرى.
الواسطة وتأثيرها على مصير أحمد عرابي
نشب خلاف بين أحمد عرابي وأحد الجنرالات الشراكسة، مما أدى إلى اتهامه بمخالفات عسكرية، وتمت إحالته للمحكمة العسكرية، حيث صدر بحقه حكم بالحبس لمدة 21 يومًا. تباينت الآراء بين وزير الحربية ووزير الدولة حول التعامل مع أحمد، وفي النهاية، تمت إدانته وطرد من الخدمة.
على الرغم من ذلك، استمر أحمد عرابي في تقديم التظلمات للخديوي توفيق، لكن لم يُجِب عليه بشيء. وخلال فترة فصله، تزوج أحمد من السيدة كريمة، وهي أخت حرم الخديوي، مما ساهم في إعادة إدماجه في الجيش بعد العفو عنه بنفس رتبته العسكرية.
مواجهة عرابي للقرارات العنصرية عثمان رفقي
أصدر عثمان رفقي، ناظر الجهادية، سلسلة من القرارات المتميزة لصالح الجنود الشراكسة، مما أثار استياء الضباط المصريين. وكان من أهم تلك القرارات منع ترقية الضباط المصريين، واستبدال كبار الضباط المصريين بآخرين من الشراكسة.
أحس قادة الجيش الضرورة لنقل صوتهم، فتقدم أحمد عرابي مع عدد من الضباط بمذكرة تضمنت شكاوى من التمييز العنصري، مطالبين بالمساواة وتعيين ناظر جديد من الوطنيين، وتنفيذ وعد الخديوي بتأسيس مجلس نواب وطني.
مكانة عرابي وتأثيره على القرارات السيادية
على الرغم من عدم تلقي طلباته بالاهتمام، تم القبض عليه ورفاقه، لكن جنود الجيش المصري تجمعوا حوله وأعانوه على الهروب. استجاب الخديوي للضغط الذي أُجبر عليه، وعين محمد سامي باشا مستشارًا عسكريًا.
بعد عزل محمد سامي، حذر أحمد عرابي الخديوي من آثار القرارات غير المقبولة، وهدد بالتحرك مع الجنود إلى قصر عابدين لتقديم مطالبهم.
أسباب قيام الثورة العرابية وخطب أحمد عرابي الشهيرة
تعددت الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة العرابية، منها:
- زيادة الوعي الوطني بين المصريين.
- تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية.
- عودة نظام المراقبة الثنائية.
- نظرة الحكومة القاسية تجاه المواطنين.
- معارضة تشكيل مجلس النواب.
- التمييز العنصري ضد المصريين.
- الأوضاع الاقتصادية المزرية.
أمام الخديوي توفيق، ألقى عرابي خطبته الشهيرة، حيث رد الأخير قائلًا إنه ورث البلاد من أسلافه. لكن عرابي بادر بالقول: “لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ لن نورث أو نستعبد بعد اليوم.”
تعيين عرابي ناظرًا للجهادية وبداية المشاكل
استجابةً لضغوط أحمد عرابي، تم تعيينه ناظرًا للجهادية، برئاسة محمود سامي البارودي. لكن سرعان ما واجهت الحكومة عقبات مع الخديوي حول بعض القرارات العسكرية.
كانت هذه الذريعة التي استخدمها البريطانيون لإرسال أسطول إلى الإسكندرية.
الحرب الإنجليزية على مصر ومعارك أحمد عرابي
اندلعت الاشتباكات عندما احتلت القوات الإنجليزية والإيطالية الإسكندرية، وقد حرض الخديوي أحمد عرابي دون أن يملك قوة كافية لمواجهتهم. على الرغم من المقاومة، انسحب عرابي إلى كفر الدوار.
من أبرز المعارك التي خاضها أحمد عرابي:
- حصار الإسكندرية.
- معركة كفر الدوار.
- معركة القصاصين.
- موقعة التل الكبير.
الخيانة التي أدت إلى الهزيمة وسقوط القاهرة
في معركة التل الكبير، تمت مداهمة أحمد عرابي وجنوده من قبل البريطانيين بفضل خيانة بعض الضباط، مما أسفر عن الهزيمة ومن ثم انسحابه إلى القاهرة.
وبعد مناقشة الأوضاع، قرر الاستسلام للبريطانيين لتفادي الإعدام على يدالخديوي. وتم محاكمته مع بعض الضباط الآخرين، وأُعلن نفيه إلى سريلانكا لمدة 19 عامًا.
أسباب فشل الثورة العرابية
يمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى فشل الثورة العرابية في النقاط التالية:
- تواطؤ الخديوي توفيق مع القوى الأجنبية.
- خيانة ديليسبس وتأثيره السلبي.
- إبلاغ البدو للإنجليز بمواقع الجيش.
- تخلي السلطان العثماني عن عرابي.
- ضعف قوات الجيش المصري.
وفاة أحمد عرابي
عاد أحمد عرابي من النفي بعد 19 عامًا، لكنه واجه صعوبة في التكيف بسبب مشاعر الكراهية ضده. عاش في فقر مدقع، حيث كان المعاش الحكومي هو مصدر دخله الوحيد.
تقدم بالعديد من الطلبات للخديوي لتخفيف معاناته، دون جدوى. على الرغم من معاناته، توفي نتيجة مرض سرطان المثانة. والجدير بالذكر أن أسرته عانت أيضًا في استكمال تكاليف جنازته.
في الختام، يُعتبر أحمد عرابي رمزًا للوطنية المصرية، وسعيه نحو حياة أفضل للمصريين، رغم أن جهوده لم تنجح.