آية الكرسي: مكانتها وأهميتها
خصص الله -سبحانه وتعالى- بعض الآيات والسور في القرآن الكريم بميزات خاصة، ومن بين هذه الآيات، تبرز آية الكرسي كواحدة من أعظمها. فقد نقل عن النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- أنه سأل الصحابي أبي بن كعب عن فضلها، وكان أبيّ يعتبر من أبرز قراء القرآن في الأمة. فقال له النبي: (يا أبا المنذر؛ هل تعلم أي آية من كتاب الله أعظم؟) فأجاب أبيّ بأنه لا يعلم، ثم أعاد النبي سؤاله، ليقوله أبيّ: (اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). عندها، ضرب النبي في صدره وقال: (والله ليهنك العلم، أبا المنذر).
تشمل آية الكرسي قول الله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). ومع عظمتهما، كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يرددها بعد كل صلاة مفروضة، وقد أوصى كذلك المؤمنين بقراءتها.
السورة التي تحتوي على آية الكرسي
تم ذكر آية الكرسي، وهي أعظم آيات القرآن، في سورة البقرة. ومن أسباب عظمته، تضمنه لبعض أسماء الله الحسنى وصفاته العلية. تبدأ الآية بلفظ الجلالة، وتذكر اسمي الله “الحي” و”القيوم”، وهما يُعتبران من الأسماء العظمى لله، حيث يُقال إن الدعاء بهما يُستجاب. قال أبو أمامة رضي الله عنه: (اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب موجود في ثلاث سور: البقرة، آل عمران، وطه)، حيث أشار إلى قوله تعالى في البقرة: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
فضلاً عن ذلك، تُظهر آية الكرسي معاني التوحيد الصريحة، حيث تبرز كلمة (اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ) وتصف عظمة الله تعالى وقوته، بتأكيد عدم نومه أو نعاسه كما يظهر في قوله (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)، فنحن نجد في الآية أن الله -سبحانه- لا ينام أو يشعر بالنعاس، وهذا يعكس عظمته الكاملة. كما تشير الآية أيضًا إلى ملكيته للسماوات والأرض، حيث تعد كل الكائنات تحت سلطته ورعايته.
ويؤكد الله -عز وجل- أن عظمته لا تتوقف عند حدود الدنيا، بل تمتد حتى يوم القيامة عندما يجتمع الناس أمامه، حيث لا يستطيع أحد أن يشفع للآخر إلا بإذنه. وهذا واضح في قوله: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). تنتقل الآية إلى عنصر آخر من عظمة الله، وهو علمه بجميع الأمور والظواهر، بينما تبقى الكائنات مُقصرّة في معرفتها.
تُنهي آية الكرسي بالإشارة إلى الكرسي، الذي يُعتبر أيضًا من مظاهر عظمة الله. حيث وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- عظمة الكرسي، قائلاً: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة حديد أُلقيت بين ظَهري فلاة من الأرض). فإذا كانت هذه هي عظمة إحدى مخلوقات الله، فإن ذلك يُبرز عظمة الخالق. ومع هذه العظمة، خُتمت الآية بأسمائه العليّة والعظيمة لبيان مكانته، ولا شك أنّ هذه الصفات تمثل تفرّده، فالمخلوقات ضعيفة مقارنةً بالخالق الذي هو أصل كل شيء.
أهمية آية الكرسي لدى المسلمين
هناك العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل آية الكرسي وتحث المسلمين على قراءتها في مواقف معينة، ومن ضمن المواضع التي سنّها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي:
- قراءة آية الكرسي قبل النوم، حيث قال النبي: (إذا أوَيت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لأنك ستظل محروساً من الله، ولن يستطيع الشيطان الاقتراب منك حتى تصبح).
- قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة مفروضة، حيث ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة كان في ذمة الله حتى الصلاة الأخرى). وقد ذكر أيضًا أنه: (من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة مكتوبة، لن يمنعه من دخول الجنة إلا الموت).
- قراءة آية الكرسي ضمن أذكار الصباح والمساء، كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- تلاوة آية الكرسي كجزء من الرقية الشرعية لتحصين النفس من العين والحسد والشرور بشكل عام.