يرى البعض أن السعادة تشير إلى الحب والاستقرار العاطفي. ورغم الاختلافات في التعريفات، يبقى أن السعادة هي شعور داخلي يرتبط بقناعة الفرد ونظرته للأمور، وسنتناول ذلك بمزيد من التفصيل لاحقًا.
تعريف السعادة في القرآن الكريم
يقول الله تعالى في محكم آياته: {وَأَمَّا الَّذِينَ سعِدوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبكَ ۖعَطَاءً غَيْرَ مَجْذوذٍ} (سورة هود، الآية 108). وهذا يدل على أن مفهوم السعادة في القرآن الكريم يتجلى من خلال النقاط التالية:
- أشار القرآن إلى أن مفاتيح السعادة في الحياة الدنيا تتمثل في التقرب إلى الله -جل وعلا-، ومن الآيات التي تدل على ذلك الآية رقم 40 من سورة التوبة: {إِذْ يَقول لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
- إن المواظبة على قراءة القرآن تعد من أسباب السعادة، بينما الهجران عنه يعد سببًا للشقاء في الحياة الدنيا والآخرة كما ورد في الآية رقم 2 في سورة طه: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقرْآنَ لِتَشْقَىٰ}.
- يعتبر الذكر والتواصل معه من أبرز الوسائل التي تنعم الشخص برعاية الخالق، مما يجعلها مصدرًا للسعادة.
- يعد الحفاظ على الصلاة والصبر من العبادات القريبة التي تعين الفرد على مواجهة الحياة وترفعه نحو السعادة والرضا الداخلي.
- كما نجد السعادة في صفاء القلوب وعلاقات التآلف والود بين الناس، وقد صدق رسول الله -ﷺ- حين قال: “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”.
- تظهر السعادة أيضًا في التفاعل الإيجابي من خلال الأعمال الصالحة المتنوعة، مثل تقديم الصدقات، والتحلي بالتفاؤل، والتوكل على الله، والابتعاد عن الغضب، وممارسة البر تجاه الآخرين، والمحافظة على صلة الرحم، والدعاء، وغيرها.
- كما تتجلى السعادة في الإيمان بجميع جوانبه، كما قال الله تعالى في الآية رقم 97 من سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثَىٰ وَهوَ مؤْمِنٌ فَلَنحْيِيَنَّه حَيَاةً طَيِّبَةً}.
من الجدير بالذكر أن كلمة “السعادة” وردت في القرآن الكريم مرتين فقط، وكان ذلك في سورة “هود”، وتم ربط المعنى فيهما بالآخرة، مما يدل على أن السعادة الحقيقية تكمن في الدار الآخرة وليس في الدنيا.
سعادة النبي صلى الله عليه وسلم
بعد استعراض مفهوم السعادة في القرآن الكريم، نتابع مناقشة معانيها في السنة النبوية، حيث نطرح الآتي:
- أشار الرسول -ﷺ- قائلاً: “أرحنا بها يا بلال”، في دلالة على أن الصلاة هي مصدر الراحة والسعادة والطمأنينة الداخلية.
- تعتبر الصلاة وقوفًا وخشوعًا بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، ولا يوجد شعور يُضاهي ذلك السعادة التي يجدها المؤمن في هذه اللحظات.
- ذكرت السنة النبوية أيضًا مفاتيح السعادة من خلال عدة طرق، منها الرضا بالقضاء والقدر والاعتراف بالقناعة بما لدينا، حيث قال الرسول -ﷺ-: “ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس”.
- كما دعا نبي الله -ﷺ- إلى عدم التطلع إلى الأغنياء، لأن ذلك قد يجلب الحزن ويؤدي إلى كسر النفس، وبدلاً من ذلك يجب النظر إلى ما هو أدنى.
- وفي حديث أيضًا “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”، مما يدل على أن السعادة تكمن في القناعة بما في اليد.
ضوابط السعادة
في إطار ما قدمناه حول مفهوم السعادة في القرآن الكريم، نوضح أهم الضوابط المتعلقة بها كما يلي:
- تحكم النفس أثناء الغضب، لضمان عدم الوقوع في الأخطاء أو الهوس، وبالتالي تجنب المعاصي.
- السيطرة على الشهوات، حيث أن الانغماس فيها قد يؤدي إلى الهلاك واستباحة ما حرم الله -جل وعلا-، فالإنسان بطبيعته يميل إلى السوء.
- تشجيع النفس على القيام بالأعمال الصالحة وطلب العلم، فإن ذلك يعد نجاةً لصاحبه ويرفع من مقامه.
يمكنكم التعرف أيضًا على:
سعادة المجتمع من خلال تطبيق شرع الله
لا شك أن السعادة في تطبيق شرع الله، ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:
- الأفراد الذين يسعون لتنفيذ أوامر الله والنهي عن نواهيه، ويقيمون الحكم على أساس الشريعة الإسلامية بكل جوانبها، هم بحق سعداء.
- هذا يترتب عليه القضاء على النزاعات وتقليل الجرائم، كما نشهد انتشار العدل، والتعاون، والترابط، والمودة، والكفاءة، وغيرها من صور الأخوة.
- حاولت العديد من الأمم تحقيق السعادة من خلال اتباع ضوابط تخالف الشريعة الإسلامية، ولكنهاء باءت بمزيد من الفشل.
دعاء لجلب السعادة
تجدر الإشارة إلى أن السعادة ليست شيئًا ملموسًا، بل هي نابعة من أعماقنا. وفيما يلي دعاء يمكن أن يجلب السعادة:
- {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
- هذا الدعاء ورد عن نبي الله يونس -رضي الله عنه- أثناء مروره في ثلاث مظلمات: “ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل”.
- يتضمن الدعاء ثلاثة مقاطع: الأول يتحدث عن التوحيد “لا إله إلا الله”، والثاني في تنزيه الخالق “سبحانك”، أما الثالث فهو اعتراف بالذنب: “إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
- وهذا يعكس أن مهما كانت الظلمات أو مدى قسوتها، فإن الدعاء لله سبحانه سيزيل الكرب والهم، ويحقق المطلوب ويجلب السعادة.