أهمية العمل في الإسلام
يعتبر العمل في الإسلام أكثر من مجرد وسيلة لكسب المال وتوفير لقمة العيش، فهو له قيمة كبيرة تمتد حتى تفوق عبادات النوافل. إن العمل يتضمن كل جهد بدني مثل البناء، أو جهد ذهني مثل القضاء، ويعود بالنفع المالي أو المنفعة المعنوية على الإنسان. تظهر أهمية العمل من خلال الجوانب التالية:
تحقيق معاني العبادة من خلال العمل
يعد العمل في الإسلام نوعًا من العبادة، حيث يشتمل مفهوم العبادة على العبادات المفروضة والأعمال التي تحقق المنفعة للنفس والأسرة. قال الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون)؛ حيث أشار قتادة إلى أن الله لم يجعلنا خلفاء في الأرض إلا ليرى أعمالنا، لذا علينا أن نُظهر الأفضل من أعمالنا في الليل والنهار.
من خلال العمل، يقوم الإنسان بتحقيق هدف عمارة الأرض، كما ذكر الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ). وبالتالي، فإن ترك العمل يُعد ضياعًا لنفسه ولأسرته، مما يتسبب في الإثم، إذ يُعتبر تارك العمل آثمًا إذا ضيَّع حقوقه، وإثمه يكون أكبر إذا ضيَّع حقوق أسرته التي تعتمد عليه في معيشتها.
كسب الرزق
تتجلى أهمية العمل في الإسلام كوسيلة لكسب الرزق، ويثبت ذلك بما يلي:
- أمر الله تعالى بالسعي لكسب الرزق، كما ورد في قوله: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ)، حيث يرتبط الرزق بالعبادة، فالمصدر للرزق هو من يجب عبادته.
وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغذاء الذي يكتسبه الإنسان من عمل يده بأنه أفضل طعام في الدنيا، حيث قال: (ما أكل أحدٌ منكم طعاماً طعاماً في الدنيا خير له من أن يأكل من عمل يده).
- على الرغم من علو مكانتهم، كان الأنبياء يشتغلون بمهن لكسب رزقهم. فعلى سبيل المثال، طلب يوسف عليه السلام العمل بقوله: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ)، وأيضًا تعلم داود عليه السلام صناعة الدروع، كما قال: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ). وقد أخرج مسلم في صحيحه أن زكريا -عليه السلام- كان يعمل بالنجارة.
- فهم الصحابة -رضوان الله عليهم- جدوى العمل في كسب الرزق، حيث قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله -تعالى- إنما يرزق الناس بعضهم من بعض”.
تحقيق الأمن الاجتماعي
يلعب العمل دورًا حيويًا في تحقيق اكتفاء الأسر، مما يسهم في تقليص الظواهر السلبية في المجتمع مثل السرقة أو التسوّل، ويتمثل ذلك في:
- تشجيع الإسلام على العمل مهما كان بسيطًا
قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث صحيح أخرجه البخاري: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ).
- يسهم العمل في القضاء على ظواهر التسول في المجتمع. حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)، حيث أكد النبي على أن العمل، حتى لو كان بسيطًا، هو أفضل من الاعتماد على ما يقدمه الآخرون.
- يساعد العمل على كفاية الأسر، مما يقلل من حاجتها للمساعدات والصدقات، ويجعل الفرد منتجًا بدلاً من كونه مستهلكًا.
معيار لتقييم الرزق في المجتمع
يُقدَّر الرزق في المجتمع بغض النظر عن بساطته، ويحظى العامل مهما كان عمله بقدر من التقدير:
- يُعدُّ العمل من المعايير الرئيسية لتقييم الإنسان في المجتمع. وقد مدح الله من يجمع بين العمل والعبادة، كما جاء في قوله: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ).
- وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- اليد المعطاءة بأنها “يدٌ عُليا”، في حين ذم اليد التي تعتمد على الآخرين ووصفها “بالسُفلى”، حيث قال: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى).
- كان عمر بن الخطاب يحترم الأشخاص ذوي الحرف، أما من لا حرفة له، فكان ينظر إليهم نظرة انتقاص في مكانتهم، حيث قال: “إِنِّي لأرَى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني”.