الدروس والعبر المستفادة من قصة صاحب الحديقتين

تُعد سورة الكهف من السور المميزة في القرآن الكريم، لما تحتويه من آيات تدعو إلى تعزيز عقيدة التوحيد في نفوس المؤمنين ولما تتضمنه من قصص تحمل الكثير من الدروس والعبر. وبالتالي، قررنا تخصيص مقالنا هذا للحديث عن الدروس المستفادة من قصة صاحب الجنتين.

سورة الكهف

تتضمن سورة الكهف قصة صاحب الجنتين، وهي من السور المكية كما رواها ابن عباس رضي الله عنه، وقد نزلت هذه السورة بعد سورة الغاشية. وتأتي في ترتيبها في المصحف كالسورة رقم 18، بعد السور السبع العظيمة.

تحوي هذه السورة 110 آيات، وتحتوي على العديد من القصص البارزة، منها قصة أصحاب الكهف التي سُميت السورة باسمهم، بالإضافة إلى قصة ذو القرنين وقصة صاحب الجنتين التي سنتناولها بتفصيل أكثر في هذا المقال.

قصة صاحب الجنتين

في إطار حديثنا عن قصة صاحب الجنتين، سوف نستعرض أحداث هذه القصة كما وردت في سورة الكهف، وذلك على النحو التالي:

  • قال الله تعالى في بداية الحديث عن قصة صاحب الجنتين: “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا.”
  • تتطرق قصة صاحب الجنتين إلى حالتين مختلفتين في مظاهر الحياة؛ الأول هو رجل لم يرزقه الله المال ولكن منحه الإيمان بالله والرضا، مع العلم بأن زينة الدنيا ليست ذات قيمة كبيرة.
  • أما الرجل الآخر، فقد رزقه الله بستانين يحتويان على جميع أصناف الفاكهة والأعناب، بالإضافة إلى أشجار النخيل وعين ماء جارية بين الجنتين.
  • لكن صاحب الجنتين أنكر نعم الله عليه، وبدلاً من أن يشكر الله، انغمس في زخارف الدنيا وظن أن جهوده هي التي قادته إلى ما وصل إليه.
  • كما تعالي صاحب الجنتين على الرجل الفقير قائلاً له: “وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا.”
  • كان يجب عليه أن يشكر الله على نعمه وأن يتصدق منها، لكنه تحلى بالتكبر والجبروت ونسب كل ما لديه لنفسه.

الحوار بين الرجل المؤمن وصاحب الجنتين

تمتدّ أحداث الحوار بين الرجل الفقير الذي يرضى بما قسم الله له، وصاحب الجنتين، وكما روت لنا سورة الكهف:

  • توضح الآيات أن صاحب الجنتين كان متكبرًا ويكفر بيوم الحساب، حيث كان يظن أن نعمه ستدوم إلى الأبد.
  • على سبيل الجدال، استمر صاحب الجنتين في القول إنه حتى لو كان هناك آخرة، فإنه سيحصل على مزيد من النعم، وذلك ليس إيمانًا وإنما تكبرًا وكفرًا.
    • قال الله تعالى: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَزُولَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا.”
  • ورد الرجل الفقير المؤمن على صاحب الجنتين المتكبر، مذكراً إياه بأن الله هو المنعم والمُرزق، وأنه هو المتصرف في الكون.
  • تابع الفقير نصيحته لصاحب الجنتين، محذرًا من الشرك بالله الذي خلقه من تراب ثم من نطفة وجعله إنسانًا.
    • قال الله تعالى: “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا.”

دعوة الرجل الفقير لصاحب الجنتين للإيمان بالله وشكره

تتابع سورة الكهف الحوار بين صاحب الجنتين والرجل الفقير المؤمن:

  • استمر الفقير في دعوته لمالك الجنتين للاعتراف بنعم الله عليه، موضحًا أن كل هذه النعم هي من فضل الله، وليست نتيجة جهوده.
    • قال الله تعالى: “وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا.”
  • كما أكد الفقير أن كل تلك النعم قد تذهب بلمح البصر، وأن الخالق القوي قادر على تغيير الأحوال، مما يمكنه من منح الفقير النعم وأخذ الجنتين.
    • قال الله تعالى على لسان الرجل الفقير: “فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا* أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا.”

عقاب الله لصاحب الجنتين

أخيرًا، نزل عقاب الله على صاحب الجنتين المتكبر، الذي لم يعبأ بكلمات الرجل الفقير ولم يتوجه بالتوبة إلى ربه، بل استمر في طغيانه. وقد أرسل الله صاعقةً دمرت الجنتين نهائيًا، مما جعله يشعر بالندم على عدم شكره لله.

وبعد أن أدرك أن الله وحده هو المنعم الذي يعطي من يشاء وينزع النعمة عن من يشاء، جاء الندم متأخرًا، فقال الله تعالى على لسان صاحب الجنتين: “وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا* وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا.”

الدروس المستفادة من قصة صاحب الجنتين

يمكن استنباط عدة عبر من قصة صاحب الجنتين:

  • الرِّضَا الذي أظهره الرجل الفقير تجاه الله تعالى رغم فقره وقلة ذات يده.
  • إن أعظم نعمة تقدم للإنسان هي القلب المؤمن الذي يرضى بقضاء الله وقدره.
  • اليقين بأن الله وحده هو الذي يدبر هذا الكون، وهو من يمنح ويمنع.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *