أين تذهب الروح بعد مغادرة الجسد؟

الموت

الموت يُعتبر مفارقة الروح للجسد، في حين أن الحياة تعني ارتباط الروح بالجسد. وعندما تترك الروح الجسد، يكون الشخص قد توفي وانتهى أجله، كما ورد في قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ). ويظل الذين ينشغلون بأمور الدنيا ومتاعها بعيدا عن ذكر الموت، وإذا تطرّقوا إلى هذا الموضوع، يشعرون بالكراهية والابتعاد عنه. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). على النقيض من ذلك، نجد العارفين بالله -عزّ وجلّ- يتبعون وصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بضرورة ذكر الموت بكثرة، حيث أطلق عليه -صلى الله عليه وسلم- اسم “هادم اللذّات”.

إن لحظة الموت تأتي بسكرات تصيب جميع الكائنات، ولا ينجو منها أي مخلوق؛ لكن الله قد يُهَوّنها على بعض الناس، مثل الشهداء، في حين قد يواجهها الآخرون بشدة، بما في ذلك الأنبياء، وذلك في إطار مغفرة الذنوب ورحمة وزيادة في الدرجات. ومن المعروف أن الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- قد اشتدّت عليه سكرات الموت، على الرغم من كونه أحب الخلق إلى الله، حتى أنه كان يغمى عليه أثناء اغتساله للاستعداد للصلاة مع الناس. وقد تكرر ذلك ثلاث مرات بسبب شدة كربه، كما جاء في قوله: (وَلَو تَرى إِذ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضرِبونَ وُجوهَهُم وَأَدبارَهُم وَذوقوا عَذابَ الحَريقِ). لذا فمن الضروري على كل إنسان أن يتحضر للموت قبل وقوعه، من خلال الإكثار من الأعمال الصالحة. وقد حثّ الله -تعالى- على اغتنام الفرص، كما جاء في قوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

مستقر الأرواح بعد الموت

بلا شك، هناك تباين في أماكن مستقر الأرواح في البرزخ، حيث توجد أرواح في أعالي الجنة، وأرواح تتواجد في حواصل الطيور حيث تسرح في الجنة، وأرواح أخرى تبقى عند أبواب الجنة، بالإضافة إلى أرواح تبقى في القبر أو في الأرض. ويوجد نوع من الأرواح تتعذب، حيث تُرمَى في نهرٍ من الدم وتُلقى في الحجر. كل هذه المعاني مذكورة في الأحاديث الشريفة.

تفسير مستقر الأرواح بعد وفاة الأجساد من القضايا التي فيها اختلاف. فقد قال بعض العلماء إن أرواح المؤمنين تقيم عند الله، سواء كانوا من الشهداء أو غيرهم، بشرط ألا يكون لديهم ما يمنعهم من دخول الجنة مثل الكبائر أو الديون، كما أكّد أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص على هذا الرأي. وتتنوع الآراء ولكن يتم تلخيصها كالتالي:

  • أرواح الأنبياء: تكون في أسمى المنازل في عليين، في الرفيق الأعلى. ولقد سمعت السيدة عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في لحظات احتضاره يقول: (اللهم الرفيقَ الأعلى). وهم يتفاوتون أيضا في هذه المنزلة.
  • أرواح الشهداء: الشهداء أحياء عند ربهم يُرزَقون. قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). وفسر عبد الله بن مسعود الآية بقوله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تسرحُ من الجنةِ حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديلِ).
  • أرواح المؤمنين: تكون كطير تعلق في أشجار الجنة إلى حين بعث الله أجسادهم.
  • أرواح العصاة: وهناك نصوص تبيّن مصير كل معصية على حدة؛ حيث يُعاقب النائم عن الصلاة برجم رأسه بصخرة، والزناة يُعذَّبون في ثقب شبيه بالتنور.
  • المحبوسون عند أبواب الجنة: ينتظرون حين وجود ديون عليهم كما ذُكر سابقا.
  • المستقرين عند باب الجنة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الشهداءُ على بارقِ نهرٍ ببابِ الجنةِ، يخرجُ إليهم رزقُهم منَ الجنةِ غدوةً وعشيةً).
  • أرواح الكفار: تخرج أرواحهم كريحٍ نتنة.

خروج الروح من الجسد

عندما تبدأ الروح بالخروج من الجسد، يتمنى الإنسان العودة إلى الدنيا حتى ولو للحظة واحدة. لكن هذه اللحظة من التوبة لن تنفعه إذا بدأ الألم في الغرغرة وخرجت روحه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرغِرْ). ويلزم على العبد أن يتقرب إلى الله -عزّ وجلّ- ويتوب قبل وصول أجله. المؤمن في لحظة احتضاره تُبشره الملائكة برضوان الله وكرامته، ويصبح لديه شغف للقاء الله، ويُحب الله لقاءه، وليس في قلبه شيء أحب إليه من ذلك. ولذلك، يطلب من الذين يحملون نعشه الإسراع إلى القبر، حيث يشعر بالشوق لرؤية ما أعدّه الله له من النعيم.

تعدّ لحظة الموت وسكرات خروج الروح من الجسد من أخطر اللحظات التي يواجهها الإنسان. إنها بداية الانتقال من عالم الشهادة الملموس، إلى عالم كان غيبا بالنسبة له، ثم يصبح هذا العالم محسوساً. تنتقل إثر هذه اللحظات حياة الإنسان إلى عالم البرزخ الذي يختلف كلياً عن ذلك الذي عاشه، وفي هذا السياق، يرى الإنسان الملائكة ويسمع كلماته التي تتعلق بمصيره، إما إلى النعيم الأبدي أو العذاب المقيم.

إن مصير الإنسان لا يتحدد بالعمر الإجمالي له، وإنما يتحدد بمراحل محددة من عدّته العمرية، قد تكون أياماً أو ساعات أو حتى لحظات، يشعر الإنسان فيها بالندم على ما اقترفه من ذنوب ويتوب إلى ربه، داعياً إياه بصدق وخضوع، مما يُسهل قبوله ويطمئنه على مستقبله، وينال بذلك رضاه.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *