أول شخص قام بنسخ القرآن الكريم

عثمان بن عفان: أول من نسخ القرآن الكريم

يُعَدّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أول من قام بنسخ القرآن الكريم، حيث تم جمع القرآن كاملاً في فترة خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-. وقد احتفظت أم المؤمنين حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- بالنسخة المكتوبة خلال تلك الفترة، وهي ذات المصحف الذي تم تدريسه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعُرض عليه مرتين في رمضان بواسطة جبريل -عليه السلام-. وبهدف توحيد قراءة القرآن بين الصحابة، أرسل عثمان -رضي الله عنه- إلى حفصة ليطلب منها إرسال المصحف ليقوم الصحابة بنسخه وإعادته إليها، وبعد الانتهاء من النُسخ، أرسل عثمان هذه النسخ إلى مختلف الأمصار. كما قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “قام عثمان بنسخ المصاحف، وأرسل بها إلى الآفاق.”

أول من جمع القرآن الكريم

يتضمن جمع القرآن الكريم مفهومين: الأول هو حفظه في صدور الناس، والثاني هو كتابته في الصفحات. وقد مرّ جمع القرآن بمراحل تتضمن جمعه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عهد أبي بكر -رضي الله عنه-، وأخيراً في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. وقد ثبت أن القرآن الكريم قد كُتب كاملاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يكتفِ النبي بحفظه وإقرائه للصحابة، بل كان يأمر بتدوينه في السطور. وقد توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان القرآن قد كُتب بالكامل بموجب توجيهاته، ولكنه لم يوجد بين دفتَي كتاب أو في مصحف واحد، نظراً لتتابع نزول الوحي. وقد كُتب على عدة أدوات مثل: الرقاع والأكتاف والعسب والحجارة والألواح. ومن الأدلة على ذلك ما يلي:

  • قول الله -تعالى-: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ)، حيث يُشير لفظ الكتاب إلى كتابته.
  • الكتابة تُعد خصيصة ثابتة للقرآن الكريم كما قال الله -تعالى-: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّـهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ).
  • نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سفر المسلم بالقرآن إلى أرض العدو، وأيضاً عن لمس القرآن إلا من طاهر.
  • أقرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابة القرآن، حيث قال: (لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآنَ، فمن كتب عني غيرَ القرآنِ فليمحْه).
  • وجود كُتّاب الوحي، وهم الصحابة الذين كانوا يسجلون الوحي فور نزوله مثل عبد الله بن سعد بن أبي السرح وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم أجمعين-.
  • توجيه النبي للصحابة لتدوين الآيات في مكانها من السور.
  • مراجعة النبي لكتاب الوحي بعد الانتهاء من الكتابة، حيث كان يستمع إليهم ويصحح أخطاءهم.

بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وتولي أبي بكر -رضي الله عنه- خلافة المسلمين، وبسبب ما حدث في حروب الردة من استشهاد عدد كبير من الصحابة، بينهم أكثر من سبعين من القراء، أصبح الأمر مُقلقاً للمسلمين. فاقترح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على أبي بكر بجمع القرآن خوفاً من ضياعه بموت الحُفّاظ. وبعد تردد، وقع اختيار أبي بكر على هذا المقترح، ليتولى هو أول من جمع القرآن الكريم بين لوحين كاملاً.

سبب نسخ عثمان للقرآن

تمثلت أهداف النسخ في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالاقتصار على القراءات الثابتة والمتواترة، بالإضافة إلى التيسير على الناس. فقد قدم حذيفة بن اليمان إلى عثمان بعد الفتوحات الإسلامية، وأخبره عن اختلاف الناس في القراءة. وأشار حذيفة إلى عثمان: “يا أمير المؤمنين، أنقذ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى”، حيث بدأ الشك يتسلل إلى قلوب الناشئة، مما أدى إلى الأخطاء واللحن في القراءة. لذلك، أرسل عثمان إلى حفصة -رضي الله عنها- لإرسال الصحف إليهم لنسخها في مصحفٍ وإعادتها. وقد حجبت هذه الخطوة الجهود المبذولة من الصحابة في حماية القرآن من التحريف.

عدد النسخ التي تم نسخها في عهد عثمان

تباينت آراء العلماء حول عدد النسخ التي أُعدّت في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. فقد ذكر السجستاني -رحمه الله- أنه تم إعداد سبع نسخ، أُرسِل واحدة إلى مكة، واحدة إلى الشام، وواحدة إلى اليمن، وأخرى إلى البصرة، وسادسة إلى الكوفة، واحتفظ بواحدة في المدينة سُميت بنسخة الإمام. فيما أوضح القرطبي أن هناك نسخاً وُجهت إلى العراق والشام ولكن العدد لم يُحدد.

كما أشار السيوطي إلى أنه تم إرسال خمس نسخ إلى مكة، الشام، الكوفة، البصرة، والمدينة، حيث أُرسل مع كل نسخة شخص يقرأ لأهل تلك البلاد. وقد أُسندت المهمة لزيد بن ثابت -رضي الله عنه- ليقرأ من المصحف المدني، بينما كان عبد الله بن السائب يقرأ من المصحف المكي، والمغيرة بن شعبة من المصحف الشامي، وأبو عبد الرحمن السلمي من المصحف الكوفي، وعامر بن عبد القيس من المصحف البصري -رضي الله عنهم أجمعين-. وتلك النسخ هي ما توارثه الناس، والتي مُزّقت إلى اليوم مع تطور أساليب الطباعة، وتدعى بالمصاحف العثمانية.

أهمية نسخ القرآن

تحظى نسخ عثمان -رضي الله عنه- للقرآن الكريم بأهمية عظيمة من عدة جوانب، والتي نورد أبرزها:

  • توحيد الناس ونبذ الخلاف في قراءة القرآن، بالنظر إلى انتشار الاختلاف بسبب تعدد طرق القراءة، فتوجه عثمان لجمعه على حرف قريش، بما أنه نزل بلغة أهلها.
  • تم الاعتماد في جمع المصاحف على الأحاديث المتواترة فقط.
  • تجريد النصوص من كل التفاسير والشروحات الموجودة في المصاحف.
  • الرسم العثماني شمل جميع الأحرف السبعة.
  • ترتيب الآيات والسور كما أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
  • حماية القرآن الكريم من الضياع والتحريف.

_________________________________

الهامش

* النسخ: مِن الفعل نسَخَ يَنسَخ، نَسْخًا، فهو ناسخ، والمفعول مَنْسوخ، ونسَخ الكتابَ: نقله وكتَبه حرفًا بحرف.

* الرِّقاع: قطعة من الورق أو الجلد، تُستخدم للكتابة.

* الأحرف السبعة: اختلفت آراء العلماء في المراد من الأحرف السبعة، إذ لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته نصّ يُبين المقصود منها. ومن أبرز التفاسير أن الأحرف السبعة تهدف إلى التوسعة على القارئ، بالمقابل يشار إليها كلغات مختلفة في العرب، إذ تلخصت في سبع لغات وما تتوزع في القرآن.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *