مصير الأرواح الحيوانية بعد الموت
تعود أرواح الحيوانات بعد وفاتها إلى التراب. أما عن فترة البرزخ التي تسبق يوم القيامة، فقد تكون الأرواح في حِفظ الله حتى يأتي يوم البعث. ولكن يبقى الأمر غيبيًا، ولا يوجد دليل قاطع حوله. وقد أشار الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- إلى أن الانشغال في مناقشة هذا الموضوع يعتبر نوعًا من التكلف، وينهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعبارته: (هلك المتنطّعون)، مما يعني أنه ينبغي علينا أن نأخذ بما ثبت ونترك ما لم يُذكر.
مصير الحيوانات
قبض أرواح الحيوانات
إن القابض لأرواح جميع الكائنات هو الله -سبحانه وتعالى-، وملَك الموت وأعوانه لا يعدو كونهم وسطاء في هذه العملية. وقد أُوكِل إلى ملك الموت مهمة قبض الأرواح، كما ورد في قوله -تعالى-: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). ولذلك، فإن ملك الموت هو الذي يقبض روح كل كائن حي، سواءً من الإنس أو الجن أو الحيوانات، إذ أن الموت مصطلح شامل ولا يمكن تخصيصه ببعض الأنواع دون آخرين إلا بمؤشر واضح.
بناءً عليه، فإن ملك الموت يتولى قبض أرواح كل الأحياء في اليابسة والمياه. وقد قال بعض المعتزلة إن ملك الموت يقوم بقبض أرواح البشر بينما يتولى أعوانه قبض أرواح الحيوانات، وهذا أمر لا يعتمد على دليل أو برهان. لذا، أكدت بعض الآراء بين العلماء أن ملك الموت هو الذي يقوم بقبض أرواح جميع الكائنات، بينما آراء أخرى تشير إلى أن الله يقوم بهذا بنفسه.
حشر الحيوانات يوم القيامة للقصاص
تتحشَّر جميع الأمم يوم القيامة ليتم الفصل بينها، بما في ذلك الحيوانات، فهي تُعتبر أممًا مستقلة في حد ذاتها؛ فالقردة، الخنازير، الكلاب، الحمير، الإبل، البقر، والغنم، كلها أمم لها خصوصياتها ومميزاتها. وهذا يتضح من الأدلة التالية:
- (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
الاستنتاج هنا هو أن جميع الحيوانات تُعتبر أمم متشابهة لبني الإنسان، وقد خلقها الله ورزقها كما فعل بنا. وسيتجمع الله جميعها يوم القيامة ليحكم بينها بعدله ورحمته.
- (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).
هنا نجد أن الإنسان سيتفحص ما كسبت يداه، والكافر سيتمنى لو أنه كان ترابًا في الدنيا، مما يستدعي حشر الحيوانات لتأخذ حقها، ثم تعود إلى التراب، وستكون حالة الكافر كحالها.
- (وما مِن صاحبِ إبلٍ لا يؤدِّي زكاتَها إلَّا بُطِح لها بقاعٍ قَرْقرٍ ما كانت تسيرُ عليه كلَّما مضى عليه أُخراها رُدَّت عليه أُولاها حتَّى يحكُمَ اللهُ بينَ عبادِه).
وقد ذُكِر خطابًا مشابهًا للجمال والأبقار، مما يعد دليلًا على حشر جميع الحيوانات.
- (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ).
هذا يعني جمعها ليوم القيامة ليقتص الله من بعضها لبعض، وبعد ذلك يأمرها بالتحول إلى تراب.
وعند الحديث عن مصير أرواح الحيوانات، فإنها تتحول إلى التراب بحسب قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا). فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (يُحشر الخلائق في يوم القيامة؛ البهائم، الدواب، الطيور وكل شيء، حتى لا يُظلم أحد، ثم يأخذ الله للجماء من القرناء، ويقول لها: كوني ترابًا، وذلك هو الوقت الذي يتمنى فيه الكافر أن يكون ترابًا).
ووفقًا لما ذكره الدينوري في مجالسته عن يحيى بن جعدة، فإن أول مخلوقات الله التي ستُحاسب يوم القيامة هي الحيوانات والهوام، حتى يُفض النزاع بينها، وبعدها سيتم تحويلها إلى تراب، ثم يتم حساب الثقلين؛ الجن والإنس. وفي ذلك اليوم، سيتمنى الكافر أنه كان ترابًا.
وبذلك، فإن جميع الحيوانات والجمادات التي لم تُعبد من دون الله ستعود ترابًا، بينما بعض الكائنات مثل كبش إبراهيم، وحمار عزيز، وكلب أصحاب الكهف، وعصا موسى، وناقة صالح ستظل موجودة في الجنة، والله أعلم.