التباين بين الإلهام والكشف الروحي

ما هو الإلهام؟

في هذا المقال، سوف نستعرض الفروق بين مفهوم الإلهام من الناحية اللغوية والإلهام من المنظور الاصطلاحي:

الإلهام في اللغة يعني: إلقاء الأفكار والأشياء في النفس، كما أورد الله سبحانه وتعالى في قوله: “فألهمها فجورها وتقواها”. والفعل “يُلْهَم” يحمل معنى غامض؛ حيث يؤثر الإلهام بعمق على فكر الإنسان ومشاعره.
- لأن الإلهام هو التأثير النفسي الذي يؤثر على تفكير الفرد بشكل شامل.
أما الإلهام اصطلاحاً، فهو ما يضعه الله في نفس الإنسان، مما يدفعه إما لأداء فعل معين أو لتركه.
- ويُعتبر نوعًا من الوحي، حيث يخصّ الله به من يشاء من عباده.
- كما يقول العلماء إن الإلهام يمكن أن يشمل ما يُحَفّظ في قلب الفرد من الله، أو تلك الأصداء التي تأتي عبر الشيطان، والتي تدفع النفس إلى الفجور.

ما هو الكشف؟

تداخلت المفاهيم بين الإلهام والكشف لدى كثير من الناس، لذا سنقدم لكم أدناه تعريف الكشف من الناحية اللغوية والاصطلاحية:

الكشف في اللغة: يعرفه الجرجاني بأنه رفع الحجاب.
أما من الناحية الاصطلاحية، فقد قال ابن تيمية إن الكشف هو ما يظهر في النفس عندما تُجلّى من الشهوات وتوجه القلب نحو المطلوب. ويشير الكشف إلى الاطلاع على المعاني الغيبية التي تتجاوز الحجب.

الفرق بين الإلهام والكشف

من خلال المفاهيم السابقة، يمكننا استنتاج الفروق الأساسية بين الإلهام والكشف، وهي كما يلي:

الكشف يُعتبر منحة إلهية تُعطى للأولياء الصالحين المتوجهين بقلوبهم لعبادة الله، بينما يمكن أن يأتي الإلهام من الله للمؤمنين والمصلحين أو حتى على شكل وسوسة شيطانية للغافلين لزيادة فجورهم.
- فهذا يبرز الاختلاف الجوهري بين المصدرين.
الإلهام يتضح في فعل شيء ما أو تركه أو تبليغ الناس به، بينما يكون الكشف ناجماً عن القيام بالفعل أو تركه، إلى جانب إمكانية الاطلاع على أمور غيبية مُخفية.
الإلهام مُخصص للوحي الذي ينزل على الأنبياء، في حين أن الكشف يحدث دون حاجة للوحي.

وجهة نظر العلماء حول حجية الإلهام

يتفق أغلب العلماء على حقيقة إلهام الأنبياء الذي يكون موحىً من الله، ولكن يختلف الاختلاف عند الحديث عن إلهام الأشخاص المسلمين، حيث تباينت آراء العلماء حول حجية هذا الإلهام وفق ثلاث وجهات نظر:

فريق يعتبر أن الإلهام حجية مطلقة، مثل بعض المتصوفة والحنفية.
فريق آخر ينفي حجية الإلهام بشكل قاطع كالشعراني والنسفي والألوسي وابن السبكي.
فريق ثالث يتوسط بين النفي والإثبات، حيث يعترف بأصل الإلهام ويفرض ثلاثة شروط لاعتباره حجية، وهي:

عدم وجود دليل شرعي يثبت الأمر، سواء في الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع.
أن يكون الفعل ضمن الأشياء المباحة.
أن يكون الفعل متعلقًا بالملهم شخصيًا دون دعوة الآخرين للعمل بموجبه.

حجية الكشف

ذكر ابن تيمية أن الكشف لا يمكن اعتباره دليلاً مستقلًا بحد ذاته، بل هو دليل تابع ولا ينبغي الاعتماد عليه كدليل صريح في حد ذاته. كما أوضح أن أخطاء الكشف تظهر بوضوح في ثلاثة مجالات، وهي:

عندما يتعارض مع السنة أو الكتاب.
في حالة التعارض مع العقل.
عندما يخالف الحقائق الواضحة لدى الحواس.

الفرق بين الإلهام الرباني ووسوسة الشيطان

يظهر الفرق بين الإلهام الرباني ووسوسة الشيطان بوضوح بالاستناد إلى الإشارات المختلفة في القرآن الكريم. فيما يلي توضيح للفروق بينهما:

الإلهام الرباني

إلهام الملائكة: “إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم.” سورة الأنفال، الآية 12.
إلهام الحيوانات: “وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون.” سورة النحل، الآية 68.
إلهام الجمادات: “يومئذ تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها.” سورة الزلزلة، الآيتين 4 و 5.

وسوسة الشيطان

وسوسة الشياطين لبعضهم: “كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.” سورة الأنعام، الآية 112.
وسوسة الشيطان لولياه: “وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون.” سورة الأنعام، الآية 121.

إشارة

إلهام من شخص إلى آخر: “فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.” سورة مريم، الآية 11.

تعريف الوحي

الوحي في اللغة، كما ذكر ابن فارس، يعني كل مفهوم ينقله الشخص للآخرين ليعرفوه، لذا يُعتبر أي شيء يتم إيصالُه بشكل خفي وعاجل وحي.
استخدم العرب قديمًا اللفظ “وحي” للإشارة إلى الموت المفاجئ.
أما الوحي الخاص بالأنبياء، فهو تواصل معنوي ينقل لهم رسالة إلهية من الله سبحانه وتعالى.
فالرسول هو الشخص الذي يتسلم تلك الرسالة من خلال هذا الاتصال.