الأهمية الكبيرة للشعر العربي

الشعر العربي

لقد اشتهر العرب منذ القدم بفن الشعر، حيث عُرف الشعر قديماً بأنه “نظم القول الذي يغلب عليه الوزن والقافية، حتى وإن كان كل علم شعراً” وفقاً لتفسير ابن منظور في “لسان العرب”. أما في العصر الحديث، فيعرف الشعر بأنه “نظام موزون ومتسق، يتكون من تركيب متآلف، ويكون مقفى وموزوناً، وإذا افتقد هذه الشروط لن يُعتبر شعراً ولا يُطلق على قائله لقب شاعر”. وعليه، يمكن تلخيص شروط الشعر في أربعة عناصر: المعنى، الوزن، القافية، والإرادة.

مكانة الشعر العربي

في عصر الجاهلية، أي قبل ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت العرب تحتفل بظهور شاعر متميز من بينهم، إذ كان شعرهم ينسب لهم ويعزز من قيمة قبيلتهم ويرفع شأنهم بين القبائل الأخرى. تتنوع أهمية الشعر العربي استناداً إلى العصور المختلفة، ففي فترة النبوة وظهور الإسلام، كان الشعر وسيلة للدفاع عن رسالة الإسلام ضد المشركين. بينما في عهد بني أمية والعباسيين، أصبح الشعر أداة للتفريق السياسي والفكري وكذلك وسيلة للدفاع عن المبادئ في مواجهة الأعداء.

اليوم، يتمتع الشعر بتأثير ملموس في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، حيث أن الشعر العربي يتطور تماشياً مع تقدم الشعوب العربية والإسلامية وعلاقاتها مع الثقافات الأخرى، مما أفرز أنواعاً جديدة تختلف في المضمون والأسلوب واللغة والأوزان والقوافي. من بين هذه الأنواع: الشعر الوصفي، والشعر في الأطلال، والغزل العذري، والشعر السياسي، والشعر الصوفي، والشعر الاجتماعي الوطني، وأيضاً الموشحات، وغيرها الكثير.

أهمية الشعر العربي

عند النظر في تاريخ الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص، يتضح أن للشعر أهمية كبيرة على مر الزمن والمكان، ولكن عناصر هذه الأهمية تكاد تتشابه في عدة جوانب، وأهمها:

الدفاع عن القبيلة

تعتبر أحد أبرز وظائف الشعر العربي هو الدفاع عن القبيلة، حيث يحمي الشاعر بفضل قصائده سمعة قبيلته ويناضل من أجلها، فهو يشبه الصحفي الذي يبرز مناقبها ويهاجم أعداءها ويدافع عن سياستها. وقد عبّر أبو عمرو بن العلاء عن حاجة العرب إلى الشعر قائلاً: “الذي يقيّد عليهم مآثرهم، ويخمّص شأنهم، ويُهوّل على عدوهم، ويُبدي فرسانهم ويخوفهم”.

وبالفعل، كان الشاعر الجاهلي شخصية تحظى بمكانة أعلى من سائر البشر، إذ كان يُعتبر نبي قبيلته وزعيمها في السلم، وبطلها في الحرب، حيث كان دوره الأساسي أن يكون لسان عشيرته، يحمي شرفهم ويتغنى بأمجادهم، مما أدى إلى خلق رابط قوي بين الشعر والقبيلة. وبعد ظهور الإسلام، انتقل دور الشاعر من الدفاع عن القبيلة إلى الدفاع عن الدين، مستغلاً موهبته في نشر المبادئ الإسلامية.

الشعر ديوان العرب

يُعتبر الشعر خلاصة لتجارب الإنسانية ومصدراً لتوثيق معارفهم المختلفة، ويمكن إرجاع ذلك إلى الشعر العربي الذي يمتلك من الحكمة والمعرفة ما يعزز هذا المفهوم. وقد دأب النقاد على استخدام مصطلح “ديوان العرب” للإشارة إلى قيمة الشعر العربي.

لقد تم الاعتراف بأهمية الشعر كمعرفة منذ أزمنة قديمة، حيث أكد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ الشعر كان العلم الأكثر دقة عند العرب. ولذلك، نجد العرب حريصين على حفظ أشعارهم كوسيلة لفهم التراث وتوثيق العلاقة بين الماضي والحاضر، ليكون دليلاً للأجيال القادمة ليتعلموا من حكمة تلك القصائد.

الحكمة

ينظر النقاد إلى الشعر العربي كمصدر للحكمة والتربية، حيث ساهم الشعراء في تربية قبائلهم على الفضيلة، وتحذيرهم من الأفكار السلبية. فقد كانوا يذمون البخل ويشجعون السخاء، محققين نقلة نوعية في الأخلاق.

وكان الشاعر يلعب دور المعلم المصلح، حيث يرشد الناس بفضائل الأخلاق من خلال شعره. لذا قال العلوي: “إن الشعراء يحضّون على الأفعال الجميلة وينهون عن الأفعال الشائنة”. ولا يُعتبر الشاعر شاعراً ناجحاً إذا خلت قصائده من الحكمة.

الشعر مفتاح لفهم القرآن والسنة

نتيجة لهذه الفائدة التعليمية، كان ابن عباس يستمع بجد للشعراء، مؤكداً على أهمية هذه الوظيفة التعليمية. وقد أشار النقاد العرب إلى دور الشعر في استنتاج معاني القرآن والحديث، حيث اعتبر الشعر شاهد ودليل لفهم الدين، مما يعني أن معرفة الشعر الجاهلي تُعتبر شرطاً أساسياً لكل مفسّر ومفتي.

التهذيب والتربية

أقر الخلفاء وعلماء الأمة بأن للشعر دوراً مؤثراً في إصلاح النفس وتهذيب السلوك، وقد أثبت أنه يُحفز المشاعر الإنسانية والأحاسيس السامية، كما يُبعد الأفراد عن الذنوب والسلوك السيء. وقد صرح أبو بكر الصديق رضي الله عنه بضرورة تعليم الشعر لأبنائهم لأنه يزرع الفضيلة في قلوبهم.

في ختام هذا الحوار عن الشعر، نجد أن النقاد بما فيهم الفلاسفة قد أكدوا على تأثير الشعر كما لو كان سحراً؛ فهو فن يُثير المشاعر النبيلة، وينقلها عبر سلوكيات عملية تهدف إلى الخير.

الشعر قالب اللغة

أوضح النقاد أهمية الشعر في الحفاظ على اللغة وإثرائها، فالشعر يثري اللغة ويعزز مهارات التعبير، مما يجعله أداة رئيسية في تعليم اللغة. إذ أن قراءة الشعر تُحفز الذهن وتطور القدرة على التعبير.

الخلاصة

تأخذ الشعر مكانة بارزة في الثقافة العربية، حيث يعمل على حماية القبيلة وإظهار شرفها. كما يعد مصدراً هاماً للمعرفة والفكر. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الشعر وسيلة لتعزيز القيم الأخلاقية، ووسيلة لفهم التراث الديني مثل القرآن الكريم والحديث الشريف. يُعزز أيضًا ويثقف النفوس، مُحوّلاً الجبناء إلى شجعان، ويحافظ على الفصاحة والبلاغة. لذا، لا يُنظر للشعر على أنه مجرد فن خالص، وإنما هو بوابة لغايات قيمة تنشد تنمية القيم الرفيعة. 

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *