إذا كنت لا تعرف، فهذه كارثة

إن كنت لا تدرك، فهي مصيبة

تعتبر هذه القصيدة من تأليف الإمام ابن القيم الجوزية، حيث يقدم فيها وصفًا بديعًا للجنة، ومن أبرز ما جاء فيها:

ليس ذلك إلا بسبب الغيرة أن ينالها ** غير كفئها، والرب أعلم بخلقه.

وإن كانت محجوبة عنا بكل كريهة ** ومقيدة بما يجرح النفوس ويؤلم.

فما أعظم ما تحتويه من سعادة؟ ** وأصناف اللذات فيها للنفس تنعم.

ولله عذوبة العيش بين خيامها ** ورياضها، وابتسامة الشفاه في الروض.

ولله واديها الذي ينتظر ** وفود الحب، فلو كنت منهم لكان لنا موعد.

في ذلك الوادي يهيم الهوى ** مُحبٌ يظن أن الهوى مكسب.

ولله أفراح العشاق عندما ** يخاطبهم من فوقهم بكلام ويمتد السلام.

ولله أبصار ترى الله جهرًا ** فلا ضرر يحيط بها، ولا تمل ولا تسأم.

فيا نظرة قد أهدت نضرة للعاشق ** أيمكن بعد ذلك أن يتركني المتيم؟

ولله كم من يتيمة إن ابتسمت ** أضاء لها نور من الفجر أعظم.

فيا لذة الأبصار حينما تقترب ** ويا لذة الأسماع حين تنطق الألحان.

ويا حياء الغصن الطري عند انثنائه ** ويا خجل الفجرين حين يبتسم.

فإن كنت ذا قلب مريض بحبها ** فلا يبقى إلا وصالها لك مرهم.

ولا سيما في لثمها عند ضمها ** وقد صار منك تحت جيدك معصم.

تراه إذا أبدت له حسن وجهها ** يلذ به قبل الوصال وينعم.

تتدفق منها الأعين عند امتلائها ** فواكه شتى ثمارها لا تعدم.

عناقيد من عنب وتفاح الجنة ** ورمان أغصان به القلب معطم.

وللورد ما قد ألبسته خدودها ** وللخمر ما قد ضمه الريق والفم.

تقسم منها الحسن في جمع واحد ** فيا للعجب من واحد يتوزع.

لها أشكال شتى من الجمال اجتمعت ** بجملتها إن السلو محرم.

تذكر بالرحمن من هو شاهد ** فينطق بالتسبيح منهلا غير متلعثم.

إذا واجهت جيوش الهموم بوجهها ** تولى على أعقابه الجيش مهزوم.

فيا من تطلب الحسناء إذا كنت راغبا ** فهذا وقت المهر، فهو المرشح.

ولما جرى ماء الشباب في غصنها ** تيقن حقًا أنه لن يهرم.

وكن مبغضًا للخائنات لحبها ** فتحظى بها دون النساء وتتنعم.

وامضِ في طريقك بعيدا عنها فحقها ** لمثلك في جنات الخلد متيم.

وصم يومك الأدنى لعلك في غد ** تفوز بعيد الفطر والناس صوم.

وأقدم، ولا تقنع بعيش منغص ** فما فاز باللذائذ من لا يغامر.

وإن ضاقت عليك الدنيا بأسرها ** ولم يكن فيها منزل لك يدوم.

فحي على جنات عدن فإنها ** منازلنا الأولى وتوفر المخيم.

لكننا سبى العدا، فهل ترانا ** نعود إلى أوطاننا ونسلم.

وقد زعموا أن العدو إذا نأى ** وشطت به أوطانه فإنه مغرم.

وأي اغتراب أعظم من غربتنا هذه ** التي أضحت الأعداء تحكم فينا.

فحي على السوق الذي يجتمع فيه ** المحبون، ذاك سوق القوم يعلم.

فما شئت أن تأخذ منه بلا ثمن ** فقد أسلف التجار فيه وأحسنوا.

وحي على يوم الزيادة الذي به ** زيارة رب العرش، فاليوم الموسم.

وحي على وادٍ هناك أفيح ** وتربته من إذفر المسك قد عظمت.

منابر من نور هناك وفضة ** ومن خالص القيان بلا تتقاسم.

وكثبان مسك قد جعلت مقاعد ** لمن دون أصحاب المنابر يعلم.

فبينما هم في عيشهم وسعادتهم ** وأرزاقهم تتدفق عليهم وتتوزع.

إذ هم بنور ساطع أشرقت له ** بأجزائه الجنات، لا يتوهم.

تجلى لهم رب السماوات جهرًا ** فيضحك فوق العرش ثم يكلم.

سلام عليكم يسمع الجميع ** بآذانهم تسليمه إذ يسلم.

يقول: سلوني ما ترغبون فإن ** كل ما تريدون عندي، فأنا أرحم.

فقالوا جميعًا: نحن نسألك الرضا ** فأنت الذي يدير الجميل ويرحم.

فيعطيهم ذلك ويشهد جمعهم ** عليه سبحانه، فالله أكرم.

فيا بائعًا هذا ببخس معجل ** كأنك لا تدري؛ بلى سوف تعلم.

فإن كنت لا تدري، فازت مصيبة ** وإن كنت تعلم، فالمصيبة أعظم.

الخلفية حول قصيدة “إن كنت لا تدري فتلك مصيبة”

  • كانت مقولة “إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم” من أقوال الصحابي محمد بن أبي بكر.
  • وقد أدلى بها عندما اكتشف أن الرسالة التي كانت بحوزته من الخليفة عثمان بن عفان تأمر بقتله بدلاً من كونه والي مصر.
  • تناولت مقولته أنه إذا كان الخليفة عثمان على علم بمحتوى الرسالة، فهذا يعد مصيبة كبيرة.
    • لأنهٌ أمر بقتل مسلم، وإن كان لا يعلم بمحتواها، فالمصيبة أعظم.
    • في هذه الحالة، هناك من يتخذ قرارات الخليفة من دونه، كما أنه يستخدم خاتمه أيضًا، وهناك خائن بين رجال الخليفة.
  • تقال أيضًا هذه العبارة في سياق من يرتكب جريمة دون معرفة العواقب، فإن كان يدرك نتائج أفعاله، فإن المصيبة أكبر، لأنه رغم معرفته فإنه لا يتراجع.
  • ومع ذلك، هناك خلاف بين العلماء حول ما إذا كانت هذه المقولة قد قيلت قبل أو بعد كتابة القصيدة، وقد استلهمت من مقولة محمد بن أبي بكر رضي الله عنه.

ندعوكم أيضًا للاطلاع على:

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *