تعبير “العتاب على قدر المحبة” يعتبر من المقولات الشائعة، لكنّ هناك من يساء فهمها أو استخدامها بشكل غير صحيح، مما يدفع البعض للاعتقاد بأن المحبة تبرر لهم الضغط والتقرب بشكل مفرط، مع إبداء العتب المستمر حول كل صغيرة وكبيرة.
وهذا التصرف قد يسبب انزعاج الشخص المتلقي للعتاب. سنستعرض في هذا المقال دلالات هذه المقولة، مدى صحتها وحدودها، بالإضافة إلى مواضيع أخرى ذات صلة.
العتاب على قدر المحبة
- تحمل المقولة درجة كبيرة من الصحة، حيث إن العتاب يأتي بمقدار المحبة، شرط وجود هذه المحبة أساسًا.
- فإذا لم تتوفر، أو كانت محدودة للغاية، لا تسمح بالعتاب والتدخل في شؤون الآخرين، فإن ذلك قد يؤدي إلى زرع البغض والشعور بالضغط والانزعاج.
- العتاب يعد من وسائل تصفية القلوب وتقريب النفوس.
- وهو يظهر في سياق الاعتذار من الشخص المعاتب عن تصرف معين، حيث يعزز العتاب والاعتذار قوة المحبة ويقرب بين القلوب، مما ينشر الخير.
هل كثرة العتاب تدل على المحبة؟
إن العتاب هو وسيلة لتقوية الحب واستمرار التواصل بين المحبين. ولكن يجب مراعاة بعض الضوابط والحدود لجعله سببًا إيجابيًا ودامعًا للدلالة على الحب.
يعتبر العتاب وسيلة لتنقية القلوب من المشاحنات. ويمكن أن يؤدي ترك العتاب في حالة توفر دوافعه إلى فتح المجال للسلبيات والخصام.
في النهاية، هذه الأمور قد تؤدي إلى التباعد والصراع، وهو ما يتنافى مع مبادئ الأديان السماوية، وخاصة الإسلام الذي يدعو إلى التعاون والإخاء.
معاتبة الأصدقاء خير من فقدانهم
- هذه مقولة صحيحة، حيث يعكس عتاب الصديق مودة قوية تساهم في إزالة الأحقاد أو المشاحنات التي قد يزرعها الشيطان بين الأخوة.
- ومع ذلك، إذا استمر إحداهما في تجاهل الآخر وعدم التحدث بالعتاب أو الاعتذار، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان علاقة الصداقة.
- ومع ضرورة تجنب الألفاظ القاسية التي تثير الضغينة، لأن القسوة في المعاملة قد تؤدي للشجار والاهانة.
- هذا يمكن أن يؤدي إلى تباعد أكثر بين الأطراف المعنية.
هل الزعل على قدر المحبة؟
- بعض الأشخاص يميلون لاستبدال كلمة “العتاب” بكلمة “الزعل”، ويعتبرون أن الزعل هو تعبير عن البعد والجفاء.
- لكنني أرى أن هناك اختلافًا بين الحالتين.
- فإن الزعل ورفض الحديث يعزز الاستمرار في الكراهية ويؤدي إلى تفاقم الأمور، بينما يكون من المحبذ وجود عتاب بين الأصدقاء مع قدر من الرقة والحنان والاعتراف بالأخطاء بطريقة لا تجرح المشاعر.
ما معنى العتاب في الحب؟
- يعني العتاب في الحب، أساسًا، وجود حب صادق يعطي مساحة للتفهم والمراجعة.
- لكن إذا كان الحب غير موجود، فلن يكون هناك نفع من العتاب، وسوف يتشبث كل طرف برأيه، مما يؤدي لجفاء أكبر.
- نعيش في زمن يسجل فيه الطرف المخطئ أنه مخطئ ويجب عليه مراجعة تصرفاته، ومع ذلك يرفض الاعتذار أو يقبل العتاب.
- لذا تبقى النتيجة سلبية، مما يسمح للطرف الآخر بالتالي بتحويل الأمر إلى جفاء مضاعف، ومن ثم إلى فراق دائم.
هل ينفع العتاب دائمًا؟
المعنى العام هو أن العتاب يأتي بمقدار الحب، ولكن أحيانًا قد تكون هناك استثناءات، حيث يمكن أن يؤدي العتاب أيضًا إلى التباعد.
لذلك، من الضروري وجود مجموعة من الضوابط لتأمين فعالية العتاب، ومنها:
- ضرورة أن يكون العتاب في سياق مناسب ومرتبط بتصرف غير سليم.
- يجب تحديد الخطأ بوضوح، بحيث لا يتاح للمعاتب تبرير تصرفاته.
- من المهم عدم تجاوز الحدود وإيذاء الشخص الذي يتم عتابه، لا سيما ما يمكن أن يسبب له الإحراج.
- عدم تكرار العتاب، حيث إنه إذا تم تكرار العتاب بشكل مفرط، سيفقد قيمته ويصبح مثار إلحاح.
- وبذلك، لن يجد الشخص المتلقي للعتاب آذانًا صاغية.
- يجب أن يأتي العتاب كشعور واقع دون الانفعال أو التوبيخ.
- لا تجعل الشخص يبدو وكأنه تحت المحاكمة، لأن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل عكسي.
- تجنب القسوة، فإنها قد تؤدي إلى خسارة الصداقة بشكل دائم، إذ قد يدفعه الدفاع عن نفسه لتصرفات ينتج عنها المزيد من العداوات.
- تجنب الكلمات الجارحة أو غير اللائقة.
أجمل ما قيل في العتاب
من بين أجمل ما كتب في جو العتاب المثمر، قصيدة للشاعر المصري أحمد بك شوقي تعود إلى عام 1932، وهو العام الذي توفي فيه. حيث جسد فيها بوضوح المعاني التي يجب أن تسود بين المعاتب والمعاتَب، يقول شوقي:
على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ // ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ.. ألوم معذِّبي، فألومُ نفسي // فأُغضِبها ويرضيها العذاب .. ولو أنَي استطعتُ لتبتُ عنه // ولكنْ كيف عن روحي المتاب؟ .. ولي قلب بأَن يهْوَى يُجَازَى // ومالِكُه بأن يَجْنِي يُثاب.. ولو وُجد العِقابُ فعلتُ، لكن // نفارُ الظَّبي ليس له عِقاب .. يلوم اللائمون وما رأَوْه // وقِدْماً ضاع في الناس الصُّواب .. صَحَوْتُ، فأَنكر السُّلْوان قلبي // عليّ، وراجع الطَّرَب الشباب .. كأن يد الغرامِ زمامُ قلبي // فليس عليه دون هَوى ً حِجاب .. كأَنَّ رواية َ الأَشواقِ عَوْدٌ // على بدءٍ وما كمل الكتاب.
إتيكيت العتاب 2022
هناك مجموعة من المبادئ المتعلقة بإتيكيت العتاب، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- تحديد موضوع العتاب، بحيث لا يكون على أمور كثيرة في نفس الوقت.
- هذا قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه وعدم التركيز في النقاش.
- تجنب التكرار في العتاب، فهو يجب أن يكون موجهًا بكلمات مدروسة وواضحة، مع إعطاء فرصة للطرف الآخر لتقييم نفسه.
- تجنب الإلحاح، فذلك قد يتسبب في نتائج عكسية، حيث قد يُعتبر من جانب الطرف الآخر هجومًا غير مرغوب فيه، مما قد يؤدي لرفض العتاب.
- عدم التساهل في العتاب بحيث لا يتكرر نفس الخطأ مجددًا.
- العتاب يجب أن يكون في الوسط بين الهجوم ومنح الفرصة.
- عدم توجيه اتهامات مباشرة أو بشكل صريح للطرف الآخر.
- لأن هذا قد يسبب تنافرًا وبالتالي تعزز العداوة.
- الالتزام بأدب الحديث وترك الانفعال وتجديد المحادثة بشكل هادئ.