وحدة الأمة
قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾. وقد أشار علماء الأمة إلى أن المقصود بأولي الأمر قد يكون الأمراء أو العلماء. فإنه إذا عصت الأمة ولاة أمرها، فإن ذلك يؤدي لا محالة إلى ضعفها وانقسامها، حيث تتعدد القيادات وتزداد الفوضى؛ ولذلك فإن طاعة ولي الأمر تعزز من الأمن وتوحد صفوف الأمة، مما يزيدها قوة وهيبة ويقطع الأطماع الخارجية.
تنعكس طاعة ولي الأمر على صلاح الأفراد ومن ثم صلاح المجتمع، وصولاً إلى رفعة الأمة بأسرها. وهذا من الخير الذي لا ينبغي أن تفقده الأمة. أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا المعنى بقوله: (لا طاعَةَ لمخلوقٍ في معصيةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-)، لذا فإن طاعة ولي الأمر تثمر بالخير والمنفعة، إذ لا تجب طاعته إلا فيما يرضي الله.
كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعاقبة من يسعى إلى شق عصا الطاعة وتفريق الصف، لأنه يُعد تمهيدًا للفوضى والفتن. فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ علَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ). وهذا يتضح من شدة العقوبة على من يخرج عن طاعة الحاكم، مما يعكس خطورة الأمر.
وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: (فمَن أرادَ أنْ يُفَرِّقَ أمْرَ هذِه الأُمَّةِ وهي جَمِيعٌ، فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ كائِنًا مَن كانَ). إن الالتزام بطاعة الحاكم هو أمر لا يجوز تجاوزه، بغض النظر عن منزلة الشخص أو مكانته؛ فمصلحة الأمة تتطلب الاجتماع على ولي الأمر مهما كان.
مجابهة الفتن
تتعدد واجبات ولي الأمر التي تشمل الفرد والجماعة، مثل إقامة الصلاة وإرساء العدالة وتوفير الأمن، وتعزيز المعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق العدالة وحماية الحقوق والحدود. فإذا غابت الطاعة لدى ولي الأمر، تُصبح أسباب الفتن متوافرة، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع؛ فقد شهدت دول عدة انهياراً عندما خالفت الناس ولاة أمورها، مما أدى إلى ضعف النظام الحاكم.
تمنح طاعة ولي الأمر القوة اللازمة له لفرض الحق وتطبيقه، ومع تراجع هذه الطاعة، تتراجع أيضًا قدرة الناس على الالتزام به، مما يؤدي لظهور الفوضى والفتن. من جانب آخر، حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على التأكيد على السمع والطاعة حتى لو كان الحاكم عبدًا حبشيًا، حيث قال أبو ذر -رضي الله عنه-: (إنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمع وَأُطِيعَ، وإنْ كانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّدَ الأطْرَافِ).
أي أن واجب الطاعة ينطبق على كل من تولى الحكم، حتى وإن كان من ذوي الظروف الخاصة. وهذا يعود لأهمية توحد الأمة تحت قيادة واحدة، حيث تساعد الطاعة على الحد من الفتن التي قد تنشأ بسبب غياب السلطة، وعندما تضعف الطاعة، تُصبح الفتن أكثر حدة.
إصلاح شؤون البلاد
يؤدي الالتزام بطاعة ولي الأمر إلى تحسين أوضاع العباد والبلاد، ومن أبرز الفوائد المرتبطة بذلك:
- تتوجه الأمة للبناء والتنمية بدلاً من التنازع والفتن في غياب الطاعة.
- تتحسن الأوضاع الأمنية في البلاد، مما يعزز من شعور الأمان والاطمئنان داخل المجتمع.
- تساعد طاعة ولي الأمر في تحقيق استقرار اقتصادي، مما ينعكس إيجاباً على معيشة الناس.
- تشكل وحدة الصف بين الحاكم والمحكوم أحد دعائم تماسك البلاد، مما يكبح أطماع الأعداء من الخارج ويُصادف أصحاب النوايا السيئة في الداخل.