إرم ذات العماد
ورد في كتب اللغة تعريف إرم بوصفها الحجارة المثبتة في الأرض، بينما يُستخدم جمعها أُروم وآرام. وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرة واحدة، حيث ارتبطت بصفة ذات العماد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ). وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآيات، ولا سيما في إعراب كلمة إرم، حيث وردت بعد اسم عاد، مما أدى إلى تباين الآراء حول إعرابها. فمنهم من اعتبر إرم عطف بيان، أو بديلاً عن كلمة عاد، وبالتالي فإنّ بني عاد هم أنفسهم إرم. أما عن “ذات العماد”، فقد فُسّرت بأنهم أناس لطول قامتهم، حيث يُقال إن طولهم قد يصل إلى أربعمائة ذراع. بينما رأى آخرون أن إرم مضافة إلى عاد، وأنها يمكن أن تشير إلى اسم المدينة أو موطنهم، بينما تُستخدم ذات العماد كصفة لإرم أو كاسم يعبر عن المدينة. وقد اتفق معظم العلماء على أن إرم لا تُعتبر بديلاً عن عاد، إذ قال تعالى في سورة الفجر: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، مما يدل على أن إرم كانت مدينة خاصة بهم، وليست مجرد اسم لقوم عاد.
موقع إرم ذات العماد
تباينت الآراء حول الموقع الجغرافي لمدينة إرم، حيث لم يتم العثور على كتابات أو نقوش تحدد مكان مدينتهم بدقة. وقد تم الجدل حول ما إذا كانت إرم تقع في بلاد الشام، أم في اليمن، أم في مكان آخر. ويشير لفظ الأحقاف في القرآن الكريم إلى موقع متميز، حيث قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)، مما دفع ياقوت إلى ذكر الأحقاف وإرم في معجم البلدان، حيث أفاد أن إرم ذات العماد كانت توجد بين حضرموت وصنعاء في اليمن. كما توصل العديد من المفسرين إلى أن الأحقاف المشار إليها في القرآن تقع في اليمن، وأدرج ياقوت موقعها في كتابه بوصفه وادٍ بين عُمان وأرض المهرة، أو ككثبان رملية تطل على البحر من اليمن. وقد يشير الأحقاف في اللغة إلى مجموعة من الرمال المتعرجة، حيث تُعتبر مناطق غنية بالرمال الناعمة في شبه الجزيرة العربية. وقد ذُكِرَت الأحقاف المتنوعة في معجم المعاني الجامع كمواقع لقوم عاد، مما يشير إلى أن الأحقاف ليست مقصورة على موقع محدد بل توجد بكثرة في البلاد العربية. ومن جهة أخرى، يذكر ياقوت عن أحد الإخباريين أن الأحقاف هو جبل في الشام.
وذهب بعض الباحثين إلى اعتبار مدينة إرم هي دمشق ذاتها، بينما ذهب رأي آخر إلى أنها تحمل اسم مدينة الإسكندرية. ووفقاً لما ورد عن الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه “الإكليل”، اعتبر العجم أن مدينة إرم ذات العماد تقع في دمشق، وأن جيرون بن سعد بن عاد هو الذي أسسها وسماها جيرون ذات العماد، تفسيرًا لوجود أعمدة كبيرة بها. كما أشار الجغرافي بطليموس إلى وقوع مدينة آراماوا في بلاد الشام، مما يُرجح أنها مدينة إرم. من جهة أخرى، فقد أسفرت الحفريات التي أُجريت بواسطة بعثة المعهد الفرنسي ودائرة الآثار الأردنية عن أن موقع إرم يقع في جبل رم، الذي يبعد حوالي 25 كم شرق مدينة العقبة، حيث تم الكشف عن آثار قديمة، لم يتبقى منها سوى عين ماء كانت تستقطب القوافل المارة من الشام إلى الحجاز. لذا، فإن الرأي الأكثر قبولاً هو أن مدينة إرم، موطن قوم عاد، تقع في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وتمتد من شمالي الحجاز ونجد إلى بلاد الشام.
من الأمور التي تدل على أن موضع إرم ليس في دمشق، هي: قرب قوم ثمود من قوم عاد، حيث تم الربط بين ذكرهم في القرآن الكريم في كثير من المواضع. كما ذكر ياقوت أن إرم هو جبل ارتفاعه عالٍ من جبال حسمى في ديار جذام، بين أيلة (العقبة) والأراضي المرتبطة بتيه إسرائيل. وبالتالي، يُعتبر الرأي السائد والمقبول لدى الباحثين هو أن موقع مدينة إرم ينسجم مع مدينة العقبة.
قوم عاد
ينتمي قوم عاد إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، حيث استقرّوا بالأحقاف وكانوا يعبدون القمر. أما أبناءه فقد اتجهوا لعبادة الأصنام، وكيف أقموا ثلاثة أصنام تُسمى: صمود، والهباء، وصداء. وكان يتمتع قوم عاد بقوة بدنية وصفتهم الضخمة، مما أتاح لهم بناء مدينة وحضارة شديدة الازدهار، لم يسبق أن خُلق مثلها في البلاد. وتمتاز أرضهم بخصوبتها وكثرة أشجار النخيل، مما زاد في غرورهم وقوتهم، لكنهم فشلوا في شكر الله على النعم التي أكرمهم بها، بل سلكوا دروب الكفر والفساد، ونسوا ما حلّ بالأقوام الظالمة قبلاً، مثل قوم نوح الذين دمرهم الطوفان.
ومع مرور الوقت، انتقل قوم عاد إلى موطن جديد، معتقدين أنهم قادرون على تجنب أي خسائر، فقاموا ببناء مساكنهم فوق قمم الجبال والمرتفعات في محاولة للحماية من الكوارث الطبيعية. بدأوا بالعيش في بيوت الشعر المرفوعة على أعمدة، ثم شيدوا قلاعهم وقصورهم على المرتفعات، وبنوا حضارة حديدية أدت إلى كبرهم واستكبارهم. واستمروا في طغيانهم الذي أساء إلى الناس ورفضوا دعوة الحق، مما دفع الله لأن يرسل لهم نبيه هوداً عليه السلام، الذي دعاهم بكل لطف وود بالتوجه إلى عبادة الله وترك الأصنام، لكنه واجه الإنكار والكذب من جانبهم.
قام قوم عاد بتشييد بيوتهم بطريقة متينة، منحوتة من الجبال، لكنهم أصروا على الاعتداد بأنفسهم ومواجهة دعوة الحق بصلابة، رغم تحذيرات هود لهم بأن يوم الحساب سيأتي وليس بإمكان حصونهم أن تصمد أمامه. دعاهم هود للتوبة والرجوع إلى الله، وعبّر عن خوفه عليهم من عواقب عصيانهم، لكنهم قابلوه بالقسوة والتمرد. ثم أوقف الله عنهم المطر لثلاث سنوات متتالية، مما أدى إلى جفاف الأرض وزيادة في الطغيان. وعندما أرسل الله غيمةً سوداء، فرحوا بها ظنًا منهم أنها المطر، دون أن يعلموا أنها ستكون سبب هلاكهم، حيث أرسلها الله عليهم مدة سبع ليالٍ وثمانية أيام حتى هلكوا جميعًا، باستثناء هود ومَن آمن معه.