ابن النفيس
ابن النفيس هو الطبيب والفقيه علاء الدين بن أبي الحزم القرشي الدمشقي، المعروف بلقب ابن النفيس. يُعتبر من أبرز أعلام الطب العربي والإسلامي، حيث ساهم بشكل كبير في تطوير العلوم الطبية وله إسهامات بارزة. يُشتهر ابن النفيس برحلتين علميين، الأولى في فهم وظائف الأعضاء، والثانية باكتشاف الدورة الدموية الصغرى، ما مهّد الطريق للاكتشاف الجوهري للدورة الدموية الكبرى بواسطة العالم الإنجليزي وليام هارفي في عام 1628م. وبهذا، يُعتبر ابن النفيس عالماً وطبيباً وكاتباً متميزاً، وله مؤلفات لا تُحصى في مجالات الفلسفة والطب والحديث.
مكان ولادة ابن النفيس
وُلد ابن النفيس في مدينة دمشق عام 1210م/607هـ خلال حكم السلطان سيف الدين. تشير التقديرات إلى أنه وُلِد بالقرب من الغوطة الدمشقية. يعود نسبه إلى قرية القريشية القريبة من دمشق. نشأ ابن النفيس في دمشق وتعلّم على يد علمائها، حيث كانت المدينة آنذاك مركزاً علمياً مزدهراً، بفضل الرعاية الأيوبية للمعرفة عامةً وللطب خاصة. وقد ورثت دمشق إرثها الطبي عن بغداد من خلال إقامة مكتبة ضخمة أسسها نور الدين زنكي، كما تم إنشاء البيمارستان لجذب أفضل الأطباء، والذي كان يضم أطباء من بغداد وتلاميذ الطبيب النصراني الشهير ابن التلميذ. تُوفي ابن النفيس في عام 1288م/687هـ في القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عاماً، وقد تبرع قبل وفاته بجميع ممتلكاته ومكتبته للمستشفى المنصوري الذي عمل فيه.
نشأة ابن النفيس
بدأ ابن النفيس حياته بحفظ القرآن الكريم، ودرس مجموعة من العلوم مثل اللغة والنحو والحديث والفقه والمنطق، حتى اهتم بدراسة الطب حين بلغ الثانية والعشرين من عمره في عام 1231م/629هـ. درس الطب على يد أحد الأطباء البارزين، وهو طبيب العيون مهذب الدين عبد الرحمن، المعروف باسم الدخوار، وكان من الأطباء الرئيسيين في البيمارستان الشهير. ومن أساتذته الآخرين في الطب رضي الدين الرجي و عمران الإسرائيلي. في عام 633هـ، انتقل ابن النفيس إلى القاهرة مع زميله ابن أبي أُصيبعة، حيث عملا في البيمارستان الناصري، وتولى ابن النفيس رئاسة المؤسسة وكان عميداً لمدرسة الطب بها. اعتمد أسلوب تعليمه على الفحص الدقيق لحالات المرضى ومراقبة استجابتهم للعلاج.
إنجازات ابن النفيس في الطب
حقق ابن النفيس العديد من الإنجازات الهامة في الطب، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- مكتشف الدورة الدموية الصغرى، والمعروفة بالدوران الرئوي.
- كان أول من تحدث عن تغذية عضلة القلب من الشرايين التاجية.
- فرّق بين الرؤية والتخيل، وأظهر أن لكل منهما مركزاً محدداً في الدماغ.
- أول من أشار إلى أهمية الاعتدال في تناول الملح، ووصف تأثيراته على ضغط الدم.
- أجرى تشريحاً دقيقاً للحنجرة والجهاز التنفسي، وقام بدراسة وظائف أجزائهما.
- أثبت أن الجدار الفاصل بين البطينين الأيسر والأيمن هو جدار لا مسامي، مخالفاً بذلك المعتقدات السائدة في عصره.
- لعب دوراً مهماً في الحد من انتشار مرض مميت في القاهرة عام 1271م بعد جهود مضنية دامت عدة شهور للسيطرة عليه.
مؤلفات ابن النفيس
ألّف ابن النفيس العديد من الكتب في مجالات متعددة، وفيما يلي أهم مؤلفاته:
المؤلفات في الطب
قدّم ابن النفيس إسهامات هامة في الطب، ومن أهم مؤلفاته:
- شرح تشريح القانون: كتاب ضخم يتكوّن من ثلاثمئة صفحة، يُعتبر من الكتب الأساسية في الطب العربي. يصف الدورة الدموية الصغرى، ويشرح كيفية تغذية عضلات القلب من الأوعية الداخلية وليس من الدم المحيط. يحتوي على نقد لمؤلفات أبرز طبيبين معروفين، وهما ابن سينا وجالينوس، مما يدل على ثقته الكبيرة بعلمه، وقد نُشر هذا الكتاب عام 1988م/1408هـ بتنقيح الدكتور سلمان قطابة.
- المهذب في الكحل المجرب: كتاب مشهور ولكن لم يصلنا منه سوى ملخص قصير عن بعض أمراض العيون، وقد اقتبسه إبراهيم الشاذلي. نُشر هذا المؤلف في الرباط عام 1986م/1407هـ بتحقيق من محمد رواس قلعة جي وظافر الوفائي.
- الموجز في الطب: مؤلف يتألف من أربعة أجزاء، يُعتبر مرجعاً مهماً لكل من يرغب في دراسة الطب، وقد تُرجم إلى عدة لغات. هو شرح موجز لكتاب ابن سينا “القانون في الطب”، تم نشره في عام 1985م/1406هـ في القاهرة بتحقيق عبد المنعم محمد عمر.
- الشامل في الصناعة الطبية: موسوعة طبية من ثلاثمئة جزء لم يُكمل منها سوى ثمانين جزءاً، وُجدت في مكتبته بعد وفاته، ويُعتبر من أعظم مؤلفاته إذ جمع فيها جهود المسلمين في الطب على مدى خمسة قرون. نُشر منه ثلاثة أجزاء في عام 2001م/1422هـ.
- المختار من الأغذية: كتاب يهتم بالغذاء في الحالات المرضية الحادة.
- شرح فصول أبقراط: مؤلف يتناول أشهر أعمال أبقراط. نُشر في بيروت عام 1988م/1409هـ بتحقيق يوسف زيدان وماهر عبد القادر.
- شرح تقديمات المعرفة: تعليق على تكهنات أبقراط.
- تفاسير العلل وأسباب الأمراض.
- شرح مسائل حنين بن إسحاق.
- شرح مفردات القانون.
- الهداية في الطب.
- شرح تشريح جالينوس.
- تعليق على كتاب الأوبئة لأبقراط.
المؤلفات في مختلف المجالات
قدّم ابن النفيس مؤلفات في مجالات متنوعة، منها:
- في مجال الشريعة والسيرة النبوية والحديث: كتاب “الرسالة الكاملية في السيرة النبوية”، وكتاب مختصر في علم أصول الحديث، وكتاب “فاضل بن ناطق”.
- في مجال الفقه: شرح كتاب “التنبيه في فروع الشافعية” لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي.
- في مجال النحو: كتاب “طريق الفصاحة”.
- في مجال المنطق: شرح كتاب “الهداية في الفلسفة” لابن سينا، وكتاب “شرح الإشارات” لابن سينا.
