دور توحيد الألوهية في الإسلام
قسّم علماء الدين أنواع التوحيد إلى ثلاثة أنواع، وهي توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا التوزيع يسهم في تسهيل تعليم مفهوم التوحيد للأطفال والمهتدين الجدد للإسلام. حيث يُفتَرَض أن المسلم الموحد يجب أن يجمع بين هذه الأنواع الثلاثة ليكون موحداً حقاً، رغم أن المسلم قد لا يكون على دراية بهذا التقسيم ولكنه يبقى موحداً ما دامت قناعته صحيحة.
توحيد الألوهية: جوهر التوحيد
يعتبر توحيد الألوهية اللبنة الأساسية، فكل من حقق هذا النوع من التوحيد قد استجمع بذلك الأنواع الأخرى بشكل تلقائي. إذ أن توحيد الألوهية يعني إيمان الفرد بأن الله هو الرب الوحيد الذي يرزقه ويدبر أموره وينبته ويميته، وهذه هي حقيقة توحيد الربوبية.
كما يشمل الإيمان بأن هذا الرب هو الذي يملك الأسماء الحسنى والصفات العُلى، مما يتطلب توجيه العبادات والطاعة له وحده، وهذا هو مفهوم توحيد الألوهية. فعلى سبيل المثال، قد يعترف الإنسان بأن الله هو الذي يرزقه، لكنه يوجه شكر هذه النعم إلى غيره مثل النجوم، معتقدًا أنها مصدر رزقه. لذا، فإن كلمة التوحيد التي تُدخل الشخص الإسلام هي “لا إله إلا الله”، وليس “لا رب إلا الله”؛ لأن إفراد الله بالألوهية هو الأمر المقصود.
توحيد الألوهية: محور دعوة الأنبياء
بعث الله الرسل ليقودوا الناس لعبادة الله وحده وترك الآلهة الأخرى، مثل الأصنام والجن. لذا نجد في العديد من الآيات القرآنية تأكيدًا على هذا المعنى، كما في قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون).
كما قال تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وأيضًا: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). فيتركز دعوة الأنبياء على توحيد الألوهية، وقد كانت المسألة الرئيسية التي انتقدها الأنبياء في شعوبهم هي عبادة غير الله.
كان الطلب الأساسي من الأنبياء هو أن يتوجه قومهم في عباداتهم للطاعة لله وحده، لأنها تنبع من إيمانهم بأن الآلهة الأخرى لا تستحق العبادة، كما قال تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا).
توحيد الألوهية: هدف خلق الجن والإنس
يُعرف توحيد الألوهية أيضًا بتوحيد العبادة، حيث أن العبادة تعبر عن فعل المكلف. أراد الله من الإنسان أن يتوجه إليه وحده في عبادة الله، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)، وقد فسّر الإمام الماتريدي العبادة هنا بأنها تعود لتوحيد الله، أي إن خلق الجن والإنس يهدف إلى توحيد العبادة لله وحده.
توحيد الألوهية: أول واجب على المكلفين
يُعتبر توحيد الله في ألوهيته أول ما ينبغي أن يفعله الشخص عند دخول الإسلام، فكيف يمكن أن يدخل الإسلام من يعبد إلهاً آخر إلى جانب الله؟. لذا قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما أرسله إلى اليمن: (إنكَ تَقْدَمُ على قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ).
فهو يدرك أنهم يوجهون عباداتهم إلى غير الله، مما يعني أن الدعوة تركز على أهمية الانقلاب إلى عبادة الله وحده.
توحيد الألوهية: جسر الفهم بين الموحدين والمشركين
تعد توحيد الألوهية من الفروقات الأساسية بين الموحدين والمشركين، كما يتضح في الآيات القرآنية التي تشير إلى أن المشركين كانوا يعترفون بأن الله هو رب هذا الكون، لكنهم في نفس الوقت كانوا يرفضون توجيه العبادة إليه وحده، وبدلاً من ذلك كانوا يعبدون الأصنام.
قال تعالى: (قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُون * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُون * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُون).
نرى هنا اعترافهم بأن الله هو مالك السماوات والأرض ولم يكن هذا سبب كفرهم، بل الكفر جاء من أنهم صبوا عبادتهم إلى غير الله. لذا قال لهم إبراهيم: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُم * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون).
توحيد الألوهية: طوق النجاة يوم القيامة
تعتبر توحيد الألوهية وسيلة النجاة للمكلف يوم القيامة، فمن يحقق هذا النوع من التوحيد فقد استوفى سائر أنواعه، وبالتالي يستحق النجاة في الآخرة. ولكن من يهمل ذلك فقد ضيع الفرصة لاستحقاق الخلاص.
لذا يقال لمن عبد غير الله: (لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إلى مَا كَانُوا يَعْبُدُون)، كما أن من توجه في عبادته إلى الله ينقاد ليحظى بالنجاة يوم القيامة.