موقع المسجد الأموي في سوريا

الخلافة الأموية

لقد حققت الخلافة الأموية إنجازات ملحوظة في مجال الفتوحات الإسلامية ونشر تعاليم الإسلام، حيث امتدت رقعتها من الصين في الشرق إلى جنوب فرنسا في الغرب. شهدت هذه الحقبة تأثير العديد من الشخصيات البارزة في مجالات السياسة والحرب والإدارة، واستطاعت قيادة المسلمين لأكثر من تسعين عاماً بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين. ومع ذلك، تعرض تاريخ بني أمية للعديد من محاولات التشويه والتحريف، وصولاً إلى بعض كتب الحديث والتفسير التي تُعتبر من المصادر التاريخية الإسلامية. تأسست الدولة الأموية عام 41 هجرياً، بعد تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان، بهدف حقن دماء المسلمين وتوحيد صفوفهم بعد الفتنة التي شهدتها الأمة، مما أسفر عن استعادة الاستقرار والأمان.

من المهم ذكر أن الدولة الأموية شهدت عصري قوة؛ الأول من عام 41 إلى 64 هجرياً، خلال فترة حكم معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، بينما امتد العصر الثاني للقوة من عام 86 إلى 125 هجرياً تحت حكم الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك. في المقابل، انتقل الخلافة الأموية إلى عصر ضعف بدءاً من نهاية العصر الثاني للقوة حتى عام 132 هجرياً.

المسجد الأموي

يقع المسجد الأموي في مدينة دمشق، ويُعرف أيضاً بجامع بني أمية، ويدعى أيضاً بالجامع المعمور أو جامع دمشق. يعتبر هذا المسجد أحد أبرز المعالم الدينية والفنية والأثرية في دمشق، وأهم الآثار الإسلامية التاريخية في العالم، حيث يقع في إحدى أقدم المدن التاريخية. تم تشييد المسجد في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان عام 705 ميلادية، خلال العصر الذهبي لدمشق، وكان يتميز بمستوى عالٍ من الإتقان والجمال، إذ يحتوي على بقايا الفسيفساء وثلاثة أبواب، أبرزها هو باب جيرون، كما توجد بوابة غربية معروفة باسم باب البريد، وتم تشييدها أمام بقايا هيكل جوبيتير، والذي تم تحويله إلى بازيليكا خلال العهد البيزنطي. وقد وصفه أحد المؤرخين الأوروبيين المعاصرين بأنه لم يكن فقط أعظم معمار تم تأسيسه في أرض الإسلام في ذلك الوقت، بل أيضاً يعد من إحدى ابتكارات فن البناء العالمية عبر العصور.

يجدر بالذكر أن قبر يحيى عليه السلام يتواجد في المسجد إلى جانب المحراب الكبير ويحتوي المسجد على عدد من الأبواب الداخلية. منها: باب البرادة أو باب السنجق، الذي كان يُعرف بالاسم القديم للبيد الرئيسي المؤدي من صحن الجامع إلى الحرم. يُنسب اسم السنجق إلى الراية المستخدمة في الحج. وهناك أيضاً باب مقصورة الخطابة الذي يؤدي إلى مقصورة الخطابة داخل الحرم ويدعى باب السر أو باب الخضراء، والذي يعتقد أنه المدخل إلى قصر الخضراء، حيث كان الخلفاء الأمويون يدخلون المسجد من خلاله دون أن يراهم أحد. بالإضافة إلى ذلك، هناك باب الجدار الجنوبي الذي يعود تاريخه إلى العهد البيزنطي، ويقع شمال سوق القباقيبية، حيث توجد كتابات تاريخية كانت تعود إلى يوحنا المعمدان، ولكن تم إزالتها في بداية الثمانينيات. يضم صحن المسجد ثلاث قباب، الأولى تُعرف بقبة المال أو القبة الغربية، التي شيدها الفضل بن صالح بن علي العباسي في عام 171 هجرياً عندما كان أمير دمشق. سُميت بقبة المال بسبب الاعتقاد بأنها تحتوي على أموال، إلا أن الفتح الذي أُجري لاحقاً كشف عن أوراق ومصاحف مكتوبة بالخط الكوفي.

أما القبة الثانية فهي قبة الخزنة، المعروفة أيضاً بقبة المال أو بيت المال، وقد أُنشئت في عام 171 هجرياً في عهد الخليفة المهدي، وتقع في الجهة الغربية لصحن المسجد على شكل مضلع ثماني قائم على ثمانية أعمدة ذات تيجان كرونثية، تعلوها قبة مصنوعة من الرصاص، ترتفع عن الأرض بمقدار عشرين متراً وقطرها ستة أمتار. للمسجد أيضاً قبة شرقية وأخرى على الماء، بحيث تُعرف الشرقية بقبة زين العابدين، بينما كانت قبة الماء مصنوعة من الرخام. وقد قام الوليد بن عبد الملك بإقامة منارة للمسجد تُعرف باسم العروس، حيث تم تجهيزها بعدد من المصابيح التي تُضيء ليلاً، وللمسجد أيضاً مأذنتان، إحداهما شرقية والأخرى غربية، أنشأهما اليونانيون للرصد والمراقبة وصوت النواقيس.

أهمية المسجد في بناء الحضارة

يمثل المسجد عاملاً حيوياً في نشر الثقافة الإسلامية والتعليم. فقد جعل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة المنورة مركزاً للتعلم، حيث كان يملي على الصحابة ما يُنزل عليه من الوحي، ويُعلمهم أحكام الشريعة من خلال القول والعمل. واستمر هذا الدور في عهد الخلفاء الراشدين وكذلك في عهود الخلفاء الأموية والعباسية، حيث كانت المساجد بمثابة منارات لتفسير آيات القرآن ونقل أحاديث الرسول. كانت حلقات العلم في المسجد النبوي، التي أدارها الصحابة، مثالاً رائعاً على ذلك، فقد كان لأبي هريرة رضي الله عنه حلقة لنشر الأحاديث، وكذلك كان للصحابي البراء بن عازب حلقة علم في المسجد النبوي. وصف أبو إسحاق السبيعي مشاهدته لذلك قائلاً: (كنا نجلس مع البراء بعضنا خلف بعض). وكان للصحابي جابر بن عبد الله حلقة مشهورة وكذلك لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في مسجد دمشق، حيث عُرف بمعرفته الواسعة. وأفاد أبو إدريس الخولاني، (دخلت مسجد دمشق فرأيت شاباً ذا أسنان لامعة، عميق الصمت، والناس من حوله، فإذا اختلفوا في شيء، أسندوا رأيهم إليه.)

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *