العصر الفيكتوري في بريطانيا: فترة التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية

تاريخ المملكة المتحدة يمتد بتحولات عديدة، ومن أبرزها العصر الفيكتوري، الذي يمثل فترة حكم الملكة فيكتوريا، والتي بدأت في 20 يونيو 1837م واستمرت حتى وفاتها في 22 يناير 1901م.

العصر الفيكتوري

العصر الفيكتوري، الذي يمتد من حوالي عام 1820م حتى 1914م، يعتبر فترة مهمة في التاريخ البريطاني، ويعاصر تقريبًا فترة حكم الملكة فيكتوريا (1837م–1901م)، حيث تميز بنظام اجتماعي قائم على الطبقات.

خلال هذه الحقبة، شهدت بريطانيا زيادة في عدد المواطنين المؤهلين للتصويت، وحيوية في الدولة والاقتصاد، مما أدى إلى تعزيز مكانتها كأقوى إمبراطورية عالمية.

شهدت بريطانيا خلال العصر الفيكتوري نمواً ثقافياً واقتصادياً، إذ ساهمت الحكومة المستقرة والامتيازات المتزايدة في تعزيز قوتها، بالرغم من أن نحو ثلاثة أرباع السكان كانوا من الطبقة العاملة في أواخر هذه الفترة.

بدأت تظهر على البلاد مشاعر التراجع الاقتصادي خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية، حينما بدأت تفقد مكانتها كقوة اقتصادية وسياسية مهيمنة في العالم، مقارنة بدول أخرى مثل الولايات المتحدة.

الرجال والنساء في المجتمع الفيكتوري

  • كان المجتمع الفيكتوري منظماً هرميًا، حيث كانت الهوية والمكانة تستند إلى العرق والدين والمهنة، لكن الجنس والطبقة كانا المعيارين الرئيسيين.
  • وقد اعتبرت المعايير المزدوجة للجنس أن الفرق الحيوي بين الرجال والنساء يؤثر على إمكانياتهم وشخصياتهم.
  • كانت الإيديولوجية الجنسية تستند إلى مفهوم “التخصصات المنفصلة”، مما يعني أن الرجال والنساء كانوا يُعتبرون مختلفين في الغالب.
  • كان يُنظر إلى الرجال على أنهم أقوياء جسدياً والنساء كضعيفات، حيث كان محور حياة الرجال هو الإنجاب، وكانت وظيفة النساء تدور حول التحديات الأسرية.
  • على اعتبار أن الرجال كانوا يُتوقع منهم المشارَكة في الشؤون العامة والاقتصادية، بينما كانت النساء يتحملن مسؤولية المنزل.
  • كان يُعتقد أيضاً أن النساء أكثر تدينًا وأخلاقياً بالمقارنة مع الرجال الذين كانوا يُشاهدون على أنهم أُناس دُهشتهم الرغبات.
  • بينما لم تتمكن معظم أسر الطبقة العاملة من العيش وفقاً لمفاهيم المجالات المنفصلة، كانت هذه الأيديولوجية لها تأثير كبير عبر جميع الطبقات.

الطبقة في المجتمع الفيكتوري

تميزت الطبقات في هذه الفترة باحتواءها على جوانب اقتصادية وثقافية تمثل الدخل والمهنة والتعليم والهيكلة الأسرية والسلوك السياسي.

الطبقة العاملة

تشكل الطبقة العاملة نحو 70 إلى 80% من السكان، وكان مصدر دخلها الرئيسي من الأجور، وغالبًا ما كان دخل الأسرة أقل من 100 جنيه إسترليني سنويًا.

الطبقة الوسطى

أصبح الكثيرون من الطبقة العاملة يحاولون تقليد أسلوب حياة الطبقة الوسطى، لكنهم كانوا مخطئين حيث أن ثقافات الطبقة العاملة كانت لها هويتها الخاصة وقيمها المستقلة.

نمت الطبقة الوسطى بسرعة خلال القرن التاسع عشر، حيث ارتفعت نسبتها من 15% إلى أكثر من 25% من السكان، وكان دخلها يتراوح بين 100 جنيه إسترليني و1000 جنيه إسترليني سنويًا.

كان لأعضاء الطبقة الوسطى دور رائد في المجتمع، حيث كانوا يعتبرون قياديين أخلاقيين بالإضافة إلى بعض القوة السياسية.

الطبقة العليا

تحصل الطبقة العليا الصغيرة والموسرة على دخلها من المصادر مثل الإيجار والفوائد، وعادةً ما كان دخلهم أعلى من 1000 جنيه إسترليني سنويًا.

كان معظم الأثرياء يمتلكون عقارات أو الألقاب أو الموارد، ومسيطرين على أغلب الأراضي والسياسات في بريطانيا.

الدين والعلم في العصر الفيكتوري

  • غالبية البريطانيين خلال العصر الفيكتوري كانوا ينتمون إلى الديانة المسيحية، وكانت الكنائس الأنجليكانية في إنجلترا وويلز وأيرلندا تُمثل كنيسة الدولة.
  • على الرغم من ذلك، كان هناك تنوع ديني في البلاد، حيث تضمت أقلية من البروتستانت غير الأنجليكانيين والمسلمين والكاثوليك واليهود والهندوس.
  • قام الفيكتوريون بإسهامات مهمة في تطوير العلوم، وكان يُعتبر نظرية التطور من أبرز التحولات العلمية في هذه الفترة.
  • على الرغم من أن تشارلز داروين يُنسب له هذا الاكتشاف، إلا أن أفكاراً مشابهة تم تناولها من قبل مفكرين سابقين.
  • وكان أيضاً مفاهيم تحسين النسل نتيجة سلبية لنظرية التطور، حيث انجذب الفيكتوريون أيضاً إلى مجالات جديدة مثل علم النفس.

الحكومة والسياسة في العصر الفيكتوري

  • كان النظام السياسي في هذه الفترة ملكية دستورية حيث تُهيمن الأرستقراطية على الدولة فعليًا.
  • يتكون الدستور البريطاني (ولا يزال) من مزيج من القوانين المكتوبة والاتفاقيات غير الرسمية.
  • على المستوى الوطني، تضم الحكومة الملك وكلا من مجلسي البرلمان: مجلس اللوردات ومجلس العموم.
  • خلال هذه الفترة، برزت الملكة فيكتوريا (1837م–1901م) كأهم ملك بينما سابقها الملك جورج الرابع (1820م–1830م).
  • شهدت هذه الحقبة تراجع نفوذ مجلس اللوردات لمصلحة مجلس العموم، الذي أصبح مركز الحكومة، بينما تحولت الملكية إلى رمز لهذه الأمة.
  • كان مجلس العموم يتكون من تقريباً 600 عضو يُسمى أعضاء البرلمان، الذين انتُخبوا لتمثيل الأقاليم والمناطق في إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا.
  • تمتع رجال إنجلترا بتمثيل أكبر بكثير مقارنة بالدول الثلاث الأخرى بسبب نفوذها السياسي والتاريخي.
  • في حين كان مجلس اللوردات يضم في غالبيته الأرستقراطيين مع فترات خدمة مدى الحياة.
  • هيمنت حزبان رئيسيان على السياسة الوطنية: الحزب الليبرالي وحزب المحافظين.

تابع أيضًا:

الأحداث السياسية الهامة خلال العصر الفيكتوري

اشتملت الأحداث السياسية المحورية خلال هذه الحقبة على:

  • إلغاء الرق في الإمبراطورية البريطانية.
  • توسعات الامتياز.
  • النشاط السياسي للطبقة العاملة، خصوصًا الشارتية.
  • ارتقاء الليبرالية كأيديولوجية سياسية مهيمنة، لا سيما بين الطبقة الوسطى.
  • ظهور حزب العمال البريطاني عام 1906م.
  • تزايد تدخل الحكومة في إدارة الأعمال التجارية الكبرى، والتقليل من ساعات العمل.
  • تطوير الصحة العامة وتوفير التعليم الابتدائي من خلال دعم حكومي.
  • فرص النزاعات السياسية بين أيرلندا وبريطانيا وما رافقها من صعود الوطنية الأيرلندية.
  • نشاط حقوق المرأة والنجاحات التشريعية مثل قوانين ملكية المرأة المتزوجة.

الثقافة والفن الفيكتوري

  • تنامى الوصول إلى المنتجات الثقافية البريطانية، مما جعلها تعبر عن ما يعكس المجتمع المعاصر لها.
  • طغى على العصر الفيكتوري كونه العاصمة الثقافية للعالم الناطق باللغة الإنجليزية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
  • تميز الأداء الفني والثقافة المطبوعة خلال هذه الفترة بالتنوع والغنى، حيث تتداخل الميلودراما والمسرح والمواقف الأخلاقية.
  • من المظاهر الفنية الرئيسية في العصر: المسرح، الدراما الحسية، وقاعات الموسيقى التي كانت تقدم برنامجاً متنوعاً من الغناء والرقص والعروض.
  • أما ثقافة الطباعة، فقد ازدهرت بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت معدلات القراءة والكتابة.
  • تواجدت العديد من المجلات والصحف بأسعار لا تقارن بتكلفة سابقة.
  • كما نشأت “الصحافة الجديدة” في ثمانينيات القرن التاسع عشر، التي كانت تميز بأسلوبها الجريء في استقطاب القراء بقصص مثيرة وضحايا للجرائم.
  • بحلول منتصف القرن، أصبح بمقدور البريطانيين من جميع الطبقات قراءة الروايات والاستمتاع بها، حيث تعرضت لأعمار متنوعة من القراء.
  • أتت بعض الروايات موجهة للقراء الأثرياء والمثقفين، بينما استهدفت روايات أخرى الفئات الأقل تعليماً روايات من نوع بيني والمغامرات.
  • أظهرت أعمال ويلكي كولينز، وغيرها، انجذاب القراء والرغبة في قراءة الروايات الطويلة والمعقدة.
  • أعمال تشارلز ديكنز أيضا لا زالت تحتل حيزاً مميزاً في عالم الأدب حتى اليوم.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *