تُعد الفلسفة والدين والحرية موضوعات أساسية في فكر إيمانويل كانط، وقد أُثير جدل واسع حول علاقتها ببعضها البعض بين الفلاسفة عبر العصور. كان لكل فيلسوف تفسيره الخاص للرابطة بين هذه المحاور، مستندًا إلى رؤاه ومعتقداته.
إيمانويل كانط
- انطلق عصر التنوير في أوروبا بفضل مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الذين تحدوا أفكار ومعتقدات قديمة، وقدموا رؤى جديدة تهدف إلى الارتقاء بعقل الإنسان نحو آفاق أوسع.
- يُعتبر إيمانويل كانط أحد أبرز الفلاسفة في تلك الحقبة، حيث كان له تأثير كبير في عصر التنوير، ويعتبر أحد أهم الفلاسفة في تاريخ الثقافة والحضارة الأوروبية.
- وُلد كانط عام 1724 في مدينة كونيغسبرغ، عاصمة مملكة بروسيا سابقًا، وعاش فيها طوال حياته دون أن يُعرف عنه سفره لمسافات بعيدة.
- كان والده، يوهان جورج، عاملاً في صناعة سروج الخيل، بينما كانت والدته تُدعى ريجينا رويتر. كان كانط الطفل الرابع من بين أحد عشر طفلاً، غير أن عددًا كبيرًا منهم توفي في صغرهم، ولم يبقَ سواهم أربعة.
نشأة ودراسة إيمانويل كانط
- رغم أن كانط نشأ ضعيف البنية، إلا أنه كان يتمتع بذكاء حاد، حيث تلقى تعليمًا صارمًا وصف بأنه قاسٍ، لكنه تمكن من التفوق وأظهر شغفًا كبيرًا بلغة اللاتينية على حساب العلوم والرياضيات.
- نمت الأسرة في بيئة دينية صارمة، حيث تلقى الأطفال تربيتهم وفق تعاليم الكتاب المقدس، وتم تحفيزهم على الإخلاص والتواضع تجاه الآخرين.
- درس كانط في المدرسة الفردية التي كانت تُعد من أفضل المدارس على مستوى البلاد بفضل توصية القس فرانز شولتز، الذي كان صديقاً للعائلة.
- تخرج كانط من تلك المدرسة في المرتبة الثانية في صفه بعد تلقيه تعليمًا صارمًا استمرّ لثماني سنوات، حيث كانت أيامه الدراسية تبدأ في السابعة صباحًا وتنتهي في الرابعة مساءً.
- خلال تلك الفترة، درس العديد من اللغات مثل اللاتينية والعبرية والفرنسية، بالإضافة إلى الرياضيات وعلم اللاهوت.
الحياة الجامعية لكانط
- تغيرت اهتمامات كانط الأكاديمية بعد دخوله جامعة كونيغسبرغ، حيث أصبحت الفلسفة والعلوم محور اهتمامه بعد أن تخرج في المرتبة الثانية.
- تأثر بشدة بأستاذه مارتن كنوتزن، الذي كان من رواد المدرسة العقلانية في ذلك الوقت.
- على الرغم من عمله في الجامعة لسبع سنوات، إلا أنه لم يتخرج بسبب الصعوبات المالية بعد فقدان والدته ثم والده.
- اضطر إلى العمل كمدرس خاص لأبناء العائلات الثرية في المدينة، حيث لم يغفل تمامًا عن التعلم الذاتي، بل بدأ أيضًا في كتابة أطروحته الخاصة.
- عاد إلى الجامعة كأستاذ مساعد بعد تقديم أطروحته، لكن راتبه لم يكن كافيًا، مما دفعه للعمل في وظائف إضافية والعيش في ظروف بسيطة للغاية.
- خلال تلك الفترة، وقع ضحية الإكثار من شرب الكحول.
التأثيرات الفكرية على شخصية كانط
- تأثرت شخصية كانط بثلاثة محاور رئيسية: الدين، السياسة، والعلم، حيث نشأ في بيئة دينية صارمة.
- تربى كانط على تعاليم جماعة التقوى المسيحية التي تدعو إلى القيم الروحية وتبتعد عن الطقوس الدينية المعقدة.
- أما من الناحية السياسية، فقد عاصر عصر التنوير، الذي انغمس فيه بقيم المساواة وحقوق الإنسان.
- في مجال العلم، تأثر بشدة بأعمال العالم نيوتن، حيث اعتبر كتاباته أساسًا لمحاضراته في الفيزياء والفلسفة.
1- الفلسفة والدين والحرية عند كانط
الفلسفة
- كان موضوع الفلسفة والدين والحرية يحظى باهتمام عميق في مؤلفات كانط، حيث قدم العديد من النظريات حول هذه المواضيع.
- شكلت فلسفة كانط نقطة تحول في الفكر الغربي، حيث أرسى أسسًا جديدة لتطوير البحث الفلسفي.
- أحدث ثورة في التفكير الفلسفي، وساهمت أفكاره في تشكيل الفلسفة والعلوم الإنسانية حتى اليوم.
- تعتبر ثورة كانط الكوبرنيكية واحدة من أهم إسهاماته في الفكر الفلسفي، حيث أوضح أنه لا يمكن تفسير كل شيء بعيدًا عن وجود الإنسان.
- تحدث عن أسس الفلسفة النقدية وفكرة الضرورة الحتمية، موضحًا قدرة الإنسان على الوصول إلى منطق سليم.
- استخدمت العديد من المدارس الفلسفية بعده أفكاره كنقطة انطلاق، مثل المدرسة الألمانية المثالية والمدرسة الوضعية والماركسية.
الدين
- بالنسبة للدين، كان يؤكد كانط أن الدين المتعارض مع العقل لن يدوم طويلاً، مشيرًا إلى أن الأخلاق كافية بذاتها ولا تتطلب داعمًا دينيًا.
- ومع ذلك، ربط كانط بين وجود الإله ووجود الأخلاق والفضيلة. وكان يؤمن بوجود الله لكن عبر الضمير وليس العقل وحده.
الحرية
- تمثل الحرية عند كانط قدرة الفرد على التصرف بحسب قوانين يضعها بنفسه دون أي قيود من المجتمع، ويعتقد أن الإنسان مخلوق حر لا يتبع غرائزه.
- يعتبر حرية الاختيار من أعظم ما يمتلكه الإنسان، حيث تربط فكرة الحرية بالأخلاق بصورة دائمة.
2- الأخلاق عند كانط
- احتلت الأخلاق مكانة كبيرة في تفكير كانط، حيث ألف عدة مؤلفات تتعلق بهذه الموضوعات.
- في كتابه المعروف “أسس ميتافيزيقا الأخلاق”، أكد أن الأفعال الأخلاقية تعود أساسًا إلى الإرادة الخيرة.
- بين أن الصفات مثل الذكاء والشجاعة لا يمكن اعتبارها خيرة بشكل مستقل، بل تتعلق بنية الإرادة وراء استخدامها.
- إذا كانت الإرادة خيرة، فإن تلك الصفات تُصبح أدوات للخير، والعكس صحيح.
3- الحرية والخير والشر عند كانط
- أكد كانط دائمًا أن الشر جزء من طبيعة البشر، وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحرية، حيث إن إحساس الإنسان بالخير والشر يُوجه أفعاله.
- في كتابه “الدين في حدود مجرد العقل”، أشار إلى أن تعليم الخير منذ الطفولة لا يكفي، بل يحتاج الشخص إلى مواجهة الشر داخل نفسه.
4- الحرية والأخلاق والدين عند كانط
- في سياق بحثه عن الوجود الإلهي والأخلاق ومبادئ الحرية، توصل كانط إلى أن الحرية تتطلب وجود الإله.
- ذكر أن الأخلاق والخير يجب أن تكون مدفوعة بالإرادة الأخلاقية، ووجد أن تطبيق الأخلاق بلا جزاء لا يحمل قيمة.
- إذا كانت السعادة مرتبطة بالأخلاق، فإن وجود عالم آخر مُقبل يجب أن يضمن هذه السعادة، حيث لا يمكن أن تتحقق فقط في هذا العالم. وبالتالي، توصل إلى أن الله هو الضامن الوحيد للسعادة الأبدية بعد الموت.
أهم مؤلفات كانط
- بعد أن أصبح إيمانويل كانط شخصية مشهورة، تلقى عروضًا للتدريس في جامعات مختلفة براتب يفوق ثلاثة أضعاف راتبه في مسقط رأسه، لكنه رفضها بسبب طبيعته المحافظة.
- ركز كانط بدلاً من ذلك على الكتابة، حيث قام بتأليف العديد من الكتب التي تعكس نظرياته وآرائه، من بينها “مشروع للسلام الدائم”، و”أسس غيبيات الأخلاق”، و”نقد العقل العملي”، و”نقد ملكة الحكم”، و”الدين في حدود مجرد العقل”.