أنواع الغزل في العصر الأموي
يمثل العصر الأموي تحولًا جذريًا في مفهوم الغزل في الشعر العربي، حيث نشأت خلاله مدرستان رئيسيتان هما المدرسة العذرية والمدرسة العمريّة، بالإضافة إلى المدرسة التقليدية التي استمرت على نمط الشعراء في العصر الجاهلي. وفيما يلي تفصيل تلك المدارس:
الغزل العفيف أو العذري
يعتبر الغزل العذري نتاجًا للتربية الإسلامية التي نشأ فيها الجيل بعد زمن الخلافة الراشدة. ولذا يمكن القول إن الغزل لم يظهر فجأة في هذا العصر، بل كانت مقدماته موجودة خلال عصر صدر الإسلام، لكن صاغتها تلك الحقبة فظهرت بشكلها المعروف في العصر الأموي.
استمد هذا الشعر جذوره من تقاطع عاطفتين: الدينية والجنسية، التي اجتمعت في قلب المؤمن الذي تعزز إيمانه وابتعد عن الفواحش. ولذلك يمثل هذا النوع من الغزل تباينًا بين العواطف الحساسة وغير الحساسة. وسمي بالغزل العذري نسبة إلى قبيلة عذرة في الحجاز، ولاحقًا أصبح مدرسة شعرية يقصدها شعراء مختلفون من عصور تالية.
يتصف الغزل العذري بالعفة والديمومة، حيث تنمو في قلب الشاعر مشاعر الحرمان والبراءة. ومن أبرز الشعراء في هذا النوع جميل بن معمر، وقيس بن ذريح، والمجنون، وكثير وغيرهم.
الغزل الصريح أو العمري
ظهر الغزل العمري على يد الشاعر عمر بن أبي ربيعة، الذي وُلد حوالى عام 23 هـ، ويقال إنه وُلد في الليلة التي اغتيل فيها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يُعتبر هذا الغزل رد فعل على التربية المتحررة التي نشأ فيها الشاعر وسط الطبقة المرفهة من أبناء قريش.
يمتاز هذا النوع من الشعر بالوصف المادي لجسد المرأة ومفاتنها. وقد عُرف عمر بأنه “أحب وصفاء الربات” لأنه استطاع أن يصور ما تقوله المرأة لصويحباتها. ومن أبرز شعراء هذا الاتجاه الشاعر عمر بن أبي ربيعة والشاعر العرجي.
الغزل التقليدي
يُعد الغزل التقليدي امتدادًا لما كان يكتبه الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي. فلم يحمل هذا الشعر جديدًا عن سابقيه. فقد كان شعراء هذه المدرسة أكثر انسجاماً مع تقاليد القصيدة العربية من اهتمامهم بالعواطف الإنسانية.
برز الغزل في هذه المدرسة في موضوعات النسيب وتحمل نفس الألفاظ المستخدمة سابقًا، مما جعلها كجدول هادئ معروف للجميع. ومن شعراء هذا النوع جرير، والفرزدق، والراعي النميري وغيرهم.
أبرز شعراء الغزل في العصر الأموي
لكل من المدارس السابقة شعراء يمثلونها، ومن هؤلاء الشعراء:
جميل بن معمر
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري، المعروف بلقب أبو عمرو، وهو واحد من الشعراء العذريين البارزين، حيث اشتهر بحبه لبثينة، التي كان يُطلق عليها أم عبد الملك. لم يُعرف زمن ولادته، لكنه توفي حوالى عام 82 هـ. عايش في وادي القرى بالحجاز، ورفض أهل بثينة خطبته. في أواخر حياته، سافر إلى مصر وتوفي هناك.
عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، يُعتبر من أفضل شعراء عصره مثل جرير والفرزدق. وُلِد في الليلة التي اغتيل فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان ينشد بمودة لعبد الملك بن مروان، لكن الأمر الذي أدى إلى نفيه إلى جزيرة دهلك كان بسبب تعرضه لنساء الحج. أثناء نفيه، شارك في غزو مع المسلمين، لكن السفينة غرقت به وتوفي حوالى عام 93 هـ.
جرير بن عطية اليربوعي
جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ينتمي إلى قبيلة تميم، وُلِد حوالى عام 28 هـ وتوفي عام 110 هـ. يُعتبر من أشهر شعراء زمنه، وله قدرة هجائية فريدة. كتاباته في الغزل كانت عذبة ونقية.
نماذج من شعر الغزل في العصر الأموي
إليكم بعض الأمثلة المميزة من الشعر في العصر الأموي:
- من قول الشاعر جرير:
أَلا حَيِّ دارَ الهاجِرِيَّةِ بِالزُرقِ
وَأَحبِب بِها داراً عَلى البُعدِ وَالسُحقِ
سَقَتكِ الغَوادي هَل بِرَبعِكِ قاطِنٌ
أَمِ الحَيُّ ساروا نَحوَ فَيحانَ فَالعَمقِ
فَقَد كُنتِ إِذ لَيلى تَحُلُّكِ مَرَّةً
لَنا بِكِ شَوقٌ غَيرُ طَرقٍ وَلا رَنقِ
أَلا قُل لِبَرّادٍ إِذا ما لَقيتَهُ
وَبَيِّن لَهُ إِنَّ البَيانَ مِنَ الصِدقِ
أَحَقٌّ بَلاغاتٌ أَتَتني مَشابِهاً
وَبَيِّن لَهُ إِنَّ البَيانَ مِنَ الصِدقِ
فَإِيّاكَ لا تَبدُر إِلَيكَ قَصيدَةٌ
تُغَنّي بِها الرُكبانُ في الغَربِ وَالشَرقِ
- من قول الشاعر جميل:
خَليلَيَّ عوجا اليَومَ حَتّى تُسَلّما
عَلى عَذبَةِ الأَنيابِ طَيِّبَةِ النَشرِ
فَإِنَّكُما إِن عُجتُما لِيَ ساعَةً
شَكَرتُكُما حَتّى أُغَيَّبَ في قَبري
أَلِمّا بِها ثُمَّ اِشفِعا لي وَسَلِّما
عَلَيها سَقاها اللَهُ مِن سائِغِ القَطرِ
وَبوحا بِذِكري عِندَ بُثنَةَ وَاِنظُرا
أَتَرتاحُ يَوماً أَم تَهَشَّ إِلى ذِكري
فَإِن لَم تَكُن تَقطَع قُوى الوُدّ بَينَنا
وَلَم تَنسَ ما أَسلَفتُ في سالِفِ الدَهرِ
فَسَوفَ يُرى مِنها اِشتِياقٌ وَلَوعَةٌ
بِبَينٍ وَغَربٌ مِن مَدامِعِها يَجري
- من قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة:
بَينَما يَذكُرنَني أَبصَرنَني
دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر
قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى
قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر
قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها
قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر
ذا حَبيبٌ لَم يَعَرِّج دونَنا
ساقَهُ الحَينُ إِلَينا وَالقَدَر
فَأَتانا حينَ أَلقى بَركَهُ
جَمَلُ اللَيلِ عَلَيهِ وَاِسبَطَر
وَرُضابُ المِسكِ مِن أَثوابِهِ
مَرمَرَ الماءَ عَلَيهِ فَنَضَر
قَد أَتانا ما تَمَنَّينا وَقَد
غُيِّبَ الأَبرامُ عَنّا وَالقَذَر