أنواع الإطناب في اللغة العربية
الإطناب يُعتبر أحد فروع علم المعاني، حيث يُعنى بدراسة كيفية خروج الجملة العربية عن تركيبها النحوي واللغوي بهدف تحليل الأثر الذي يُحدثه هذا الخروج على المعنى والمُتلقي. يُعبر الإطناب عن خروج مدروس عن التركيب النحوي للجملة، ويكون له هدف محدد يُمكن استنتاجه من الأثر الذي يُترك لدى المُتلقي.
يمكن ملاحظة هذا الأثر من خلال مقارنة جملة تم إضافة كلمة إليها باستخدام الإطناب، وتلك الجملة بدون أي زيادة. في اللغة العربية، يشير لفظ الإطناب إلى مصدر الفعل أطنب، والذي يعني التوسيع أو إطالة الكلام. فعندما نقول أطنب الشتاء، نعني أنه اشتد أو طال، أو في حالة الإبل التي تتبع بعضها البعض خلال السير.
أما عن التعريف الاصطلاحي للإطناب، فيُعرف بأنه زيادة في اللفظ على المعنى لفائدة معينة، حيث يتم تقديم المعنى من خلال إضافة ألفاظ جديدة لتعزيز المعنى أو التأكيد عليه. الشرط الأساسي الذي يجب أن يحققه الإطناب هو إضافة فائدة جديدة تُعزز المعنى.
ببساطة، يمكن القول إن الإطناب يعبر عن مبالغة أو توسع في المعاني، سواء كان ذلك في المساحة أو الحجم أو الزمن أو المكان. ومن بين أبرز أنواع الإطناب في اللغة العربية نذكر:
ذكر الخاص بعد العام
ويقصد به ذكر معنى عام يحتوي على جزيئات متعددة، حيث تُشير الفائدة من هذا الإطناب إلى التنبيه على قيمة الخاص، مما يجعل السامع يُدرك أنه ليس من جنس العام. ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون}.
في هذه الآية، ذكر الله تعالى الفساد كمعنى عام، ثم قام بتفصيله من خلال الإشارة إلى جريمة سفك الدماء، ليدل على مدى حرمتها وأهميتها.
ذكر العام بعد الخاص
يشير إلى ذكر شيء يحتمل عدة جزيئات، ثم ذكر جزء من تلك الجزيئات، ويُفيد العموم مع التركيز على الخاص، مثلما جاء في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}.
فقد ذُكر الخاص من خلال الصدق، ثم تمت الإشارة إلى النبوة كمعنى عام يعكس جميع الصفات الحسنة بما في ذلك الصدق، وقد ذُكرت لأهميتها في سياق الحديث.
الإيضاح بعد الإبهام
يعني تقديم المعنى بصورة غير واضحة ثم توضيحه في وقت لاحق. مثال على ذلك هو قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون}، حيث تم ذكر الوحي بشكل عام ثم تم توضيحه بأن {لن يؤمن إلا من قد آمن}.
التكرير لداعٍ
يُستخدم لتأكيد المعنى وتعزيزه في النفس، حيث يمكن تكرار الشيء مرتين أو أكثر لأجل ذلك. ومثال على ذلك قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}، حيث تكرر ذكر {ما في} مرتين لتأكيد المعنى.
الاحتراس
يتعلق بإيحاء خلاف المقصود، ويُعرّف بأنه قد يأتي المتحدث بمعنى مُعقد مما يستدعي توضيحه لتفادي الالتباس. الفائدة البلاغية منه تكمن في توسيع الحكم ليكون شاملاً وعاماً. وللإحتراس نوعان: أحدهما في وسط الكلام والآخر في نهايته.
مثال على الاحتراس في وسط الكلام هو قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين}.
الإيغال
يعني إنهاء الكلام بكلمات تكمل المعنى لكن يتم ذكرها لأغراض بلاغية، حيث يعتبر وجود كلمات إضافية يهدف إلى استكمال القافية. ولا يكون الإيغال إلا في نهاية الكلام، كما في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
الاعتراض
يتعلق بإدراج جملة ليست لها علاقة ظاهرة في مكانٍ ما، ويتنوع الاعتراض ليشمل إفادة التنزيه والدعاء، والتوضيح. مثل قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم}.
التذييل
يمثل تقديم جملة بعد إنهاء حديث لتأكيد المعنى، بحيث قد يكون المعنى المعروض مستقلاً أو مكملًا لما قبله. من الأمثلة: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين}.
أمثلة توضيحية لأنواع الإطناب
إليكم بعض الأمثلة البارزة عن الإطناب:
- إطناب التكرار
كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمْ الْأَخْسَرُونَ}، حيث يتجلى إطناب التكرار في كلمة {هم} لتأكيد المعنى.
- إطناب العام بعد الخاص
مثل قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، حيث ذُكر الخاص وهو {لي ولوالدي} ثم تم ذكر العموم {للمؤمنين}.
- إطناب الخاص بعد العام
كما في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}، حيث ذُكرت الملائكة على أنها عامة، وأشير إلى جبريل تكريمًا له.
- إطناب الاعتراض
كما في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ}، حيث يُظهر إطناب الاعتراض تنزيه الله.
- إطناب التذييل
حيث يُقال: “حُكم على المتهم بالحبس لمدة سنة، وفي المحكمة يُقام العدل”، فالجملة الثانية تُعتبر تذييلًا للتأكيد.
- إطناب الاحتراس
ومثال ذلك هو قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون}.
- إطناب الإيغال
كما قال الشاعرة الخنساء: {وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ}، حيث استخدمت عبارة {في رأسه نار} لتعزيز المبالغة.
- إطناب الإيضاح بعد الإبهام
كما في قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}، حيث يعمل {دابر هؤلاء} على توضيح المعنى المبهم ل “ذلك الأمر”.